(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  (و) لأن (الظاهر جائز المخالفة لدليل) بل واجب (بالاتفاق) فإذا كان التقييد للحكم بلفظ التأبيد إنما يفيد الدلالة على ثبوت الحكم في جميع الأزمان بالظهور لا بالنصوصية لم يمتنع أن يكون المخاطِب مريداً لثبوت الحكم في بعض الأزمان دون البعض كما في الألفاظ العامة لجميع الأشخاص، وإذا لم يمتنع ذلك لم يمتنع ورود الناسخ المعرف لمراد الشارع، وإذا فرض ذلك لم يلزم منه محال، فيكون جائزاً.
  وقوله: (فلا تناقض) فيه إشارة إلى شبه المخالفين وجواباتها، قالوا: التأبيد معناه الدوام، والنسخ ينافي الدوام ويقطعه، فكان مناقضاً(١)؛ فلا يجوز على الله
(قوله): «ولأن الظاهر» عطف على قوله: لأن أبدية الفعل. واعلم أن المؤلف # فسر الظاهر هنا بما هو ظاهر في الأبدية لا في كونه ظاهراً في كونه قيداً للحكم، وقد عرفت ما في ذلك.
(١) لأن إيجاب الحكم في جميع الأزمان يناقضه سلبه في بعضها، والتناقض محال لا يجوز عليه تعالى، قلنا: عدم اتحاد الموضوع ينفي التناقض؛ لأن إيجاب فعل مؤبد إنما يناقضه سلب إيجاب ذلك الفعل المؤبد لا سلب أبدية إيجابه؛ لاختلاف الموضوع في القضيتين، كما أنك لو قلت: أوجبت عليك صوماً مؤبداً إيجاباً غير مؤبد لم يتناقض؛ إذ التأبيد قيد في الصوم، وعدم التأبيد قيد في إيجابه، فصار كقولنا: زيد قائم وعمرو ليس بقائم، والحاصل أن التأبيد لا يخلو إما أن يكون للفعل دون الحكم أو للحكم بحسب الظهور أو للحكم نصاً، الثالث لا يجوز نسخه، والأولان يجوز نسخهما؛ لاختلاف مورد الإيجاب والسلب في الأول، والثاني ظاهر، والظاهر جائز المخالفة بالدليل الدال على انتهاء المصلحة؛ إذ لا نصوصية باستغراقه لجميع الأزمان فلا مناقضة؛ إذ النسخ تخصيص في الأزمان كالتخصيص في الأعيان. (من شرح جحاف). وفي الفواصل شرح منظومة الكافل بعد احتجاجه بما ذكره ابن الإمام من الفرق بين أبدية الفعل وأبدية الحكم ما لفظه: والجواب أن هذا تدقيق مبني على أن لفظ الأبد نص في الدوام والاستمرار، وأنه إذا قيد الفعل بالأبد لم يحصل التناقض؛ للفرق بين أبدية الفعل وبين عدم أبدية التكليف به، فإن أردتم أبدية الفعل من دون تكليف فمسلم، وهو غير محل النزاع، وإن أردتم أبديته في ضمن إيجاب التكليف به فلا نسلم عدم المنافاة، فإن المحكوم فيه متعلق الوجوب، فإذا قيد إيجاب الفعل بالأبد استلزم الإيجاب المؤبد، وكيف يتصور انفكاك زمن الفعل المؤبد عن الإيجاب بعد تعلق الوجوب به؟ إلخ كلامه |.