(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  تعالى. والجواب: منع لزوم التناقض في موضع الخلاف؛ لما بيناه، وإنما يلزم فيما نص فيه على تأبيد الحكم واستمراره، ولا خلاف في منع نسخه.
  قالوا: نسخ وجوب الصيام المؤبد يجعله غير مؤبد؛ لأنه إذا لم يجب جاز تركه فلم يدم؛ فيكون مبطلا لنصوصية تأبيد الفعل كتأبيد الحكم.
  قلنا: نسخ الوجوب المؤبد يستلزم اجتماع الحسن والقبح في زمان واحد ولو في بعض أزمنة الأبد، بخلاف نسخ الفعل المؤبد؛ لاحتمال أن يكون زمان الوجوب غير زمان الفعل، على أن الفعل المؤبد إذا لم يلاحظ معه الحكم الشرعي لا يتصور نسخه، فكيف يستلزم نسخ وجوبه(١) نسخه.
(قوله): «لما بيناه» من أن تأبيد محل الحكم لا يمنع النسخ.
(قوله): «وجوب الصيام المؤبد» لفظ المؤبد صفة للصيام لا للحكم.
(قوله): «يجعله» أي: يجعل الصيام.
(قوله): «فيكون مبطلا لنصوصية تأبيد الفعل» لاحتمال صحة ورود النسخ عليه مع أنه قد يكون تأبيده منصوصاً.
(قوله): «اجتماع الحسن والقبح» لأن ثبوت الحكم يقتضي حسنه، ونسخه يقتضي قبحه.
(قوله): «ولو في بعض أزمنة الأبد» يعني فإنه يكفي اجتماعهما في ذلك البعض ولا يشترط اجتماعهما في جميع الأزمان.
(قوله): «زمان الوجوب غير زمان الفعل» وذلك لأن زمان الفعل المؤبد وإن كان كل أوقات الأبد لكن يحتمل أن يكون زمان الوجوب المتعلق بالفعل غير زمان الفعل الذي لم يتعلق به الوجوب؛ لأن الوجوب مطلق عن التأبيد، فإذا ثبت الوجوب المتعلق بزمان من أزمان الفعل المؤبد فهو حسن في ذلك الزمان، وإذا نسخ الفعل المتعلق بسائر أزمان الأبد التي لم يثبت الوجوب فيها كان الفعل قبيحاً في تلك الأزمان، فلم يجتمع الحسن والقبح. لكن يرد أن نسخ مجرد الفعل لا يتصور ما لم يتعلق به الحكم؛ فلذا قال المؤلف: على أن الفعل المؤبد ... إلخ إشارة إلى ما هو الحق في الجواب، فقوله: فكيف يستلزم نسخ وجوبه نسخه - أي: الفعل المؤبد - دفع لقولهم: نسخ وجوب الصيام المؤبد يجعله - أي: الصيام - غير مؤبد، أي: يجعل تأبيد الفعل وهو الصوم منسوخاً، فنسخ تأبيده لازم لنسخ وجوبه، لكن وجوبه مطلق عن التأبيد، فلم يتعلق الوجوب بالفعل في جميع أزمان أبدية الفعل، فلا يتصور نسخه في تلك الأزمان التي لم يتعلق الوجوب به فيها، فظهر معنى قوله: «فكيف يستلزم نسخ وجوبه» أي: المطلق «نسخه» أي: الفعل المؤبد.
(١) معناه أنكم قلتم: رفع حكم الفعل المؤبد مبطل لتأبيد الفعل، فيقال: النسخ للفعل من حيث تضمنه الحكم الشرعي، فإذا لم يكن معه حكم شرعي لم يتصور نسخه.