(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  الحسين وبعض الأشعرية.
  (والاستدلال) من أهل هذا القول (بحسن الإخبار بكفر زيد حال كفره وقبحه حال إيمانه(١) وبنحو) قوله تعالى: {(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ) حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩٧]، وقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ٧٩}[الواقعة]، (يرفع الخلاف) لأن آية الحج مراد بها الأمر والإيجاب، ولكنها أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقيق وأبرزت في صورة الجملة الاسمية الدالة على الثبات
(١) وتحقيق البحث فيها - أي: في مسألة جواز نسخ الأخبار - أن الخبر أما أن يكون مما يتغير مدلوله كالأخبار بإيمان زيد وكفره أو لا يتغير كالعالم حادث والباري موجود والنار محرقة، والنسخ هنا يقع على وجهين: الأول: أن يأمر الشارع بالإخبار بحدوث العالم وبإيمان زيد ثم ينهى عن الأخبار بنقيض ما ذكر، منعه مثبتو التحسين والتقبيح؛ لأنه أمر بالكذب، وجوزه نفاته. الثاني: أن يكون النسخ لمدلول الخبر، فإن كان مدلوله مما لا يتغير كوجود الباري فلا يجوز اتفاقاً، وإن كان مما يتغير فالمختار وعليه الجمهور أنه لا يجوز أيضاً، وجوزه أبو الحسين وأبو عبدالله البصريان، واختاره صاحب الفصول، ولكن إذا حقق محل النزاع عاد الخلاف إلى الوفاق، فإن المانعين أرادوا أن مدلول الخبر لا يزول إلا بسبب خارجي لا بالإخبار بنقيضه مع بقاء المدلول، فإن وقع الإخبار بنقيضه بعد زواله فارتفاعه ليس بالخبر، وإن وقع مع بقائه كان الإخبار بما لا يتغير فلا يجوز، والمجوزون قالوا: لا مانع من تغيره، فنسخ مدلوله غير ممتنع، ومناط الجواز وعدمه هو تحقق الصدق وعدمه، فعرفت بهذا عدم تحقق الخلاف، إن قلت: أي فرق بين هذا الوجه وبين نسخ الخبر إلى الإخبار بنقيضه، فإن الإخبار بنقيضه هو نسخ لمدلوله؟ قلت: قال في حواشي الفصول: إن الأول في نسخ اللفظ، والثاني في نسخ مدلوله، فالأول ليس بمنسوخ في نفسه، إنما هو كذب، هكذا قرره، وفيه تأمل؛ فإن الغرض في الأول وفي هذا بقاء المدلول وعدم تغيره، فالكذب واقع فيهما جميعاً. وقيل: الفرق بينهما أن الأول باعتبار وقوع الخبر بنقيضه من المكلف؛ إذ الفرض أنه كلف بالإخبار بالنقيض، والثاني باعتبار وقوعه من الشارع؛ ولذا أجازه نفاة التحسين والتقبيح في الأول دون الثاني، قالوا: لأنه يرتفع الوثوق بصدق الرسول فيما يخبر عن الله تعالى؛ للعلم بأن أحد الخبرين كذب، بخلاف الأول فالكذب يتصف به المكلف؛ لأنه كلف بالإخبار بذلك؛ لأن الشارع أخبر بذلك، وبهذا يندفع ما قيل: إن التكليف بذلك صفة نقص وهم لا يجوزونها، فإنهم إنما يمنعون ذلك إذا تعلقت بفعل الشارع لا بفعل المكلف. (من شرح منظومة الكافل).