(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  والاستمرار على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه في ذمم الناس لا انفكاك لهم عن أدائه؛ تأكيداً لشأن الحج واعتناء بأمره. وهكذا قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ٧٩} يفيد تحريم مس غير المطهر إياه، وهذه أحكام يجوز نسخها بالاتفاق، وأما حسن الإخبار بكفر زيد حال كفره وقبح الإخبار به حال إيمانه فليس ذلك من النسخ في شيء؛ لما عرفت من أن النسخ بيان انتهاء حكم شرعي أو رفع حكم شرعي، وهذا ليس حكماً شرعياً، بل هو حكم عقلي(١)؛ ولهذا قال الفقيه يحيى بن حسن القرشي: إن كان الخبر مما تتغير فائدته فإن كانت فائدته حكما شرعياً جاز النسخ نحو آية الحج، وإن لم تكن حكما جاز ولا يسمى نسخاً(٢).
  قالوا: قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ١١٨}(٣) [طه]، منسوخ بقوله تعالى: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}[١٢١]، وآيات الوعيد بالخلود في النار
(قوله): «بل هو حكم عقلي» إذ حسن الإخبار بكفره حال كفره يدركه العقل لصدقه ولما فيه من الوصف بما يستحقه عقلا، والإخبار بكفره حال إيمانه قبيح عقلا لكذبه ولما فيه من الضرر بوصفه بما لا يستحقه. وجواب المؤلف # المذكور مبني على أن الكلام في حسنه وقبحه، وليس ذلك مدلول الخبر، إنما مدلوله كونه مؤمناً وكونه كافراً، وهو ليس حكماً لا شرعياً ولا عقلياً، وقد استدل به الإمام المهدي # وصاحب الفصول لمن أجاز نسخ المدلول فيما يتغير، وقد أجيب عن استدلال المانع بأنه يوهم الكذب في الخبر بالمعارضة بنسخ الأمر فإنه يوهم البداء؛ فلو امتنع في الأمر للإيهام لامتنع هذا[١].
(١) إن قيل: الإباحة أحد الأحكام الخمسة الشرعية، وقد تغيرت؛ إذ يقال له: كافر وقت كفره، ثم يحرم بعد إيمانه، فقد نسخ جواز الإخبار. (عن خط السيد العلامة أحمد بن علي الشامي | عن خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد وغيره).
(٢) بل فيه معنى النسخ. (شرح فصول).
(٣) آيات الوعد عند الأصحاب خاصة بمن لم يرتكب كبيرة، وآيات الوعيد عامة شاملة للكفار والفساق، وعند الأشاعرة آيات الوعد عامة في المؤمن وغيره ممن ارتكب كبيرة سوى الشرك، وآيات الوعيد خاصة بالكفار، المذهب الثالث الوقف، وهو منسوب إلى أبي حنيفة.
[١] الظاهر العكس. (حسن بن يحيى).