(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  أخبر بقوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦] أنه لا ينسخ إلا ببدل؛ لأنه لا يتصور كونه خيراً أو مثلاً إلا فيه، والخلف في خبر الصادق محال.
  وتقرير الجواب(١): أن المراد بالآية اللفظ، فبدلها كذلك، فالمراد: نأت بلفظ خير لا بحكم خير، والنزاع في الثاني، ولا دلالة(٢) عليه في الآية، سلمنا أن المراد بحكم خير منها فلا نسلم أن المراد بالحكم الشرعي، بل المراد أعم منه(٣) ومن
(١) وأجيب بأن المراد بالآية المعجزة الدالة على النبوة لا أنه القرآن. (مختصر وشرح الجلال عليه). ولو سلم دليلكم فإنما يدل على أنه لم يقع، فمن أين له دلالة على أنه لم يجز؟ وهو محل النزاع. (مختصر وشرحه له).
(٢) يقال: معرفة الناسخ في الأحكام متوقفة على تنافي الحكمين ووقوع العلم أو الظن بالتأخر لأحدهما، فيلزم هنا أن يعرف أن الآية الأخرى قائمة مقام الأولى نازلة بعد رفعها بطريق شرعي، ويمكن أن يقال: لا حاجة إلى ذلك هناك؛ للفرق بأن في نسخ الحكم لما تعلق التكليف بكل من الحكمين في وقته فلا بد من ذلك، وأما هنا فالمراد أن الله تعالى يرفع تلاوة آية ويزيلها بالمرة ويجعل آية مثلها أو خيراً منها في ثواب تلاوتها، والآيتان متميزتان في علمه تعالى، ولا يضر جهل المكلف بالناسخ والمنسوخ منهما لعدم تعلق التكليف به، قوله: سلمنا أن المراد بحكم إلى قوله: فلا نسلم أن المراد بالحكم الشرعي إلخ لكن لفظ الآية عام محتمل للتخصيص، فلم لا يكون مخصصا بما نسخ لا إلى بدل كآية النجوى؟ قد عرفت أن اللفظ العام لا يخصصه إلا دليل، وهو هنا العقل، وتقريره أن يقال: قد دلت الآية على أنه لا ينسخ حكم إلا مع شرع حكم آخر بدلاً عنه، وقد وجدت أحكام منسوخة لا بدل لها، فيلزم وقوع الخلف في خبره تعالى، وقد دل العقل على انتفاء الخلف في أخباره، وكان العقل مخصصاً هنا كما كان مخصصاً في قوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد: ١٦]، فحينئذ الأحكام المنسوخة بلا بدل منبهة على المخصص ودالة عليه لا أنها هي المخصصة، والله أعلم.
(٣) في شرح ابن جحاف بعد هذا: ولا يخفى أن قوله تعالى: {نَأْتِ}[البقرة: ١٠٦]، ينافي أن يكون المراد بالحكم ما هو أعم من الشرعي؛ لأن المأتي به لا يكون إلا شرعياً، ونزول الآية رداً لما طعن به الكفار في النسخ يأبى تخصيصها؛ لأنهم قالوا: هذا كلام يرفع بعضه بعضاً لا تتعلق به مصلحة؛ إذ لو كانت ما رفعت، فلا يصدر من حكيم، فنزلت الآية رداً لهذا القدح بأن كل ما رفع من مصلحة فهو لإبداله بمصلحة خير منها أو مثلها، =