هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 178 - الجزء 3

  الأصلي، فلعل الخير في حكم الله تعالى⁣(⁣١) عدم الحكم الشرعي وهو حكم أصلي، سلمنا أن المراد به الشرعي، لكن لفظ الآية عام محتمل للتخصيص، فلم لا يكون مخصصاً بما نسخ لا إلى بدل كآية النجوى.

  (و) اختلف أيضاً في جواز النسخ للحكم (بأثقل) منه بعد اتفاقهم على جواز النسخ إلى بدل أخف، كنسخ تحريم الأكل بعد النوم في ليل رمضان إلى حله، ووجوب مصابرة كل طائفة من المسلمين لعشرة أمثالهم بوجوب مصابرتهم للضِّعف للضُّعف. وإلى بدل مماثل، كنسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة، فذهب بعض الشافعية وبعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجوز،


(قوله): «فلعل الخير في حكم الله عدم الحكم الشرعي وهو حكم أصلي» لكن يقال: لفظ «نأت» لا يناسب ما ذكره، فإن إسناد الإتيان إلى الشارع يقضي بأنه شرعي.


= فالمصلحة لم تخل منه، ولو تثبت أن بعضه رفع لا لمصلحة ثبت مدعاهم، والحاصل أن الآية لما كان سبب نزولها هذا الاعتراض الوارد على جميع أجزاء النسخ كانت نصاً على أن جميع أجزائه غير خالية من المصلحة، والمصلحة لا تكون إلا في بدل، فكانت نصاً في كل فرد فرد منه، والعام إذا ورد على سبب لم يجز أن يخرج من ذلك السبب شيء؛ إذ هو نص فيه وظاهر في غيره، وهذا منه، فصار تخصيص هذه الآية لإخراج السبب⁣[⁣١] فليتأمل، والله أعلم، فإذن منع دلالة الآية على أن النسخ لا يكون إلا إلى حكم هو بدل من حكمها، فإنها ليست تدل على ذلك بالظهور ولا بالنصوصية؛ إنما دلالتها على أن النسخ لا يكون إلا إلى حكم تتعلق به مصلحة خير من مصلحة الحكم الأول أو مثلها بدلا كان أو غير بدل، وهي على عمومها لم تخصص، مثلا آية النجوى نسخت إلى حكم ليس بدلا من حكمها، هو الدوام والمحافظة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المتعلق به مصلحة خير من مصلحة خير من مصلحتها، وصوم عاشوراء نسخ إلى حكم هو بدل منه، وهو صوم رمضان المتعلق به مصلحة خير من مصلحته، ودلالة الآية على القسمين على السواء من غير مزية لأحدهما على الآخر، فيستقيم الرد على هذا ويكون نصاً فيهما معاً فلا يصح إخراج شيء منهما، وأما تأويلها بأن المراد بلفظ خير من لفظها فمحل نظر على هذا⁣[⁣٢]، والله أعلم. اهـ المراد نقله من شرح ابن جحاف.


[١] قوله: لإخراج السبب يعني وهو لا يجوز كما قرر.

[٢] أي: هذا التقرير الماضي المشار إليه بقوله: ولا يخفى إلى آخر الحاصل.