(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  فمنهم من منعه(١) عقلا وشرعاً، ومنهم من منع منه شرعا فقط، وهو أبو بكر ابن داود الظاهري، ومنهم من قال: إنه جائز ولكنه غير واقع، والجمهور على جوازه ووقوعه (لما مر) من حديث المصلحة والوقوع، كنسخ التخيير بين الصوم والفدية بتعيين الصوم، وصوم عاشوراء وهو يوم بصوم شهر رمضان، ووجوب الحبس في البيوت(٢) والأذى بالجلد(٣) أو به وبالرجم، والصفح عن الكفرة بقتال مقاتلتهم(٤) ثم بقتالهم كافة.
  وقوله: (وابتداء التكليف ينفي بُعْدَ المصلحة)(٥) إشارة إلى شبهة للمانعين وجوابها. تقريرها: أن النقل من الأخف إلى الأثقل أبعد في المصلحة لكونه إضراراً في حق المكلفين؛ لأنهم إن فعلوا التزموا المشقة الزائدة، وإن تركوا استضروا بالعقوبة، وهو غير لائق بحكمة الشارع.
  وتقرير الجواب: أن ذلك لازم لهم في ابتداء التكليف؛ لنقل المكلف من الإباحة الأصلية والإطلاق إلى مشقة التكليف، وجوابهم جوابنا، وأيضاً لا نسلم الأبعدية؛ لجواز أن يعلم الشارع أن الأصلح للمكلف هو النقل إلى الأثقل كما ينقلهم من الصحة إلى السقم ومن القوة إلى الضعف.
(١) ينظر في منع بعض الشافعية له عقلاً؛ إذ لا حكم عندهم للعقل، اللهم إلا أن يكون هذا البعض معتزلي الأصول، وسيجيء له مثل هذا في نسخ القرآن بالمتواتر؛ إذ قد نسب هناك إلى المحاسبي منعه، وهو أشعري الأصول قطعاً، فتحقق الموضعين، والله أعلم.
(٢) وكان الحبس في البيوت هو الواجب على الزاني ثم نسخ بالجلد والرجم، ولا شك أنه أثقل من الحبس، ونحو ذلك كثير، ومنعه قوم، قالوا: لأن نقلهم من الأخف إلى الأشق الأثقل أبعد من المصلحة؛ لأن تخفيف التكاليف عن المكلف أدخل وأقرب إلى تحصيل المصلحة، فلا يجوز نقله إلى الأثقل؛ لبعده عنها. (من شرح جحاف).
(٣) أما الجلد فلا يقوم حجة؛ لأن انقطاعه بسرعة ملحق له بالأخف، وحبس البيوت بالأشد لطوله.
(٤) في نسخ: مقاتليهم.
(٥) وإلا لزم أن لا تبقى مع التكليف مصلحة؛ لأنه نقل من البراءة الأصلية إلى ما هو شاق ثقيل، واللازم معلوم البطلان. (من شرح جحاف).