هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 198 - الجزء 3

  بأيهما شاء، ثم إنه يجوز الإجماع على أحد القولين كما مر (فالإجماع) حينئذ (على أحدهما ناسخ) للإجماع الأول؛ لإبطاله الجواز الذي اقتضاه.

  (قلنا:) لا نسلم الإجماع الأول؛ لأن كل فرقة تجوز ما تقول به وتنفي الآخر، ولو سلم فلا نسلم انعقاد الإجماع الثاني؛ لما تقدم في الإجماع من القول بامتناعه، ولو سلم الإجماعان فإن الإجماع (الأول) من الأولين على جواز الاجتهاد فيما اختلفوا فيه (مشروط) بأن لا يوجد قاطع⁣(⁣١) يمنع الاجتهاد؛ للإجماع على أن الاجتهاد بخلاف القاطع لا يجوز⁣(⁣٢).

  (و) الجمهور على أنه (لا يَنْسَخ) أي: لا يكون ناسخاً لغيره، وما وجد من الإجماع على خلاف النص فلتضمنه الناسخ لا أنه هو الناسخ؛ وذلك (لأنه) أي: الإجماع الناسخ (إما عن) مستند (نص فالنسخ به)⁣(⁣٣) لا بالإجماع (أو لا)⁣(⁣٤) عنه


(قوله): «الجواز» أي: جواز الاجتهاد.


(١) لكن لا يخفى أن للخصم أن يقول: كل منسوخ كذلك، أي: مشروط دوامه بأن لا يحدث بعده قاطع على خلافه، فإن أجيب بأن مسألة اتفاق الجمهور على أن الإجماع لا ينسخ به تمنع ذلك فمع أن اتفاق الجمهور ليس بحجة دليل هذه المسألة لا ينتهض. (شرح مختصر للجلال). وأخذ بعد هذا يبين عدم انتهاض أدلتها بكلام طويل كما تراه منقولا عنه ههنا على كل دليل.

(*) لأنهم إنما أجمعوا على أن المسألة اجتهادية إذا لم يظهر عليها دليل قاطع لا مطلقاً، أي: ما دامت لا قاطع فيها، وهذا قاطع ظهر، وارتفاع المشروط لارتفاع شرطه ليس بنسخ، فلا الإجماع الأول منسوخ ولا الثاني ناسخ. (شرح غاية لجحاف).

(٢) إن قيل: إذا سلم كونه إجماعاً لم يصح فرض كونه مشروطاً، وإلا لزم في كل إجماع أن يكون مشروطاً، وفيه نظر.

(٣) هذا ضعيف مستلزم لرفع الخلاف؛ لأن المراد بالنسخ بالإجماع هو الاكتفاء به عن نقل المستند كما أن معنى حجيته ذلك لا أنه لا يحتاج إلى مستند، فإن احتياجه إليه وفاق. (شرح جلال).

(٤) في شرح الغاية لجحاف على قوله: «أو لا عنه ... إلخ»: وإن فرض أنه لا عن نص فهذا المنسوخ الأول لا يخلو إما أن يكون قاطعاً أو ظنياً، إن كان قاطعاً لزم خطأ هذا الإجماع الذي فرض ناسخاً؛ لأنه يكون إجماعاً على خلاف القاطع، وإن كان المنسوخ ظنياً فليس رفعه بالإجماع يسمى نسخاً؛ لبطلان الظن بالقطع، وليس من النسخ في شيء؛ لعدم المعارضة والمقابلة.