(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)
  احتج (الأول) وهو القائل بالمنع فيهما: بأن تحريم الضرب لازم لتحريم التأفيف، وإلا لم يعلم منه، وتحريم التأفيف متبوع لتحريم الضرب، وقد تقرر أن (نفي اللازم والمتبوع يستلزم نفي الملزوم والتابع) وإلا لزم أن يوجد الملزوم والتابع مع عدم اللازم والمتبوع، وأنه يرفع حقيقة اللزوم والتبعية، فإذا ارتفع اللازم ارتفع الملزوم وإلا لم يكن ملزوماً، وإذا ارتفع المتبوع ارتفع تابعه وإلا لم يكن تابعاً.
  (قلنا:) دلالة المنطوق على المفهوم بالالتزام، والمعتبر في الدلالة الالتزامية متعارف علم البيان، وهو الانتقال من الملزوم إلى اللازم في الجملة(١)، فهو إذاً (لزوم في الجملة فلا يمتنع الانفكاك) بين اللازم والملزوم حتى يلزم وجود الملزوم مع عدم اللازم (سلمنا(٢) فعند الإطلاق) يعني لو سلم أن اللزوم هنا بمعنى امتناع الانفكاك فإنما هو كذلك عند الإطلاق وعدم التصريح بنفي المفهوم، أما إذا صرح بنفيه كما إذا قيل: اقتله ولا تستخف به، فإن القتل وإن كان
(قوله): «فإذا ارتفع اللازم» وهو تحريم الضرب «ارتفع الملزوم» وهو تحريم التأفيف. وقوله: «وإذا ارتفع المتبوع» وهو تحريم التأفيف «ارتفع تابعه» وهو تحريم الضرب.
(قوله): «لزوم في الجملة، وقوله: كما إذا قيل: اقتله ولا تستخف به» سيأتي الكلام على هذا.
(١) فانتقال الذهن من تحريم التأفيف إلى تحريم الضرب في الجملة، وذلك لا يوجب التلازم بين الحكمين، فالانفكاك بينهما جائز. (شرح ابن جحاف).
(٢) أن ذلك يوجب التلازم بين الحكمين، فإنما يكون ذلك عند الإطلاق، كأن يقول: لا تقل أف ويطلق، لا عند التقييد بالتنصيص على خلاف المفهوم، كأن يقول: لا تقل أف واضربه فلا ملازمة حينئذ بين الحكمين، فيجوز نسخ كل منهما دون الآخر. وأما أن الأصل متبوع والفحوى تابعة فلا يمكن رفعه من دونها فالتبعية إنما هي في الدلالة، بمعنى أن دلالة لا تقل له أف على تحريم الضرب تابعة لدلالته على تحريم التأفيف، والدلالة باقية لم تنسخ، والذي نسخ هو الحكم المدلول عليه، كبقاء دلالة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: ١٨٤] على التخيير المنسوخ بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥]، فالذي نسخ لم يتبع، والذي تبع لم ينسخ. (من شرح جحاف | على الغاية).