هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 217 - الجزء 3

  مستلزماً للاستخفاف إلا أنه إذا صرح بنفيه لم يستلزمه⁣(⁣١)، وما نحن فيه كذلك، فإنه إذا نسخ تحريم الضرب كان مصرحاً بانتفائه فلا يكون لازماً (والتبعية في الدلالة، وهي باقية) يعني أن دلالة اللفظ على الفحوى تابعة لدلالته على الأصل وليس حكمها تابعاً لحكمه، فإن فهمنا لتحريم الضرب حصل من فهمنا لتحريم التأفيف لا أن الضرب إنما كان حراماً لأن التأفيف حرام ولولا حرمة التأفيف لما كان الضرب حراماً، فالمرتفع هو تحريم التأفيف لا دلالة اللفظ عليه فإنها باقية، فالمتبوع لم يرتفع، والمرتفع ليس بمتبوع.

  احتج (الثاني) وهو القائل بالجواز فيهما: بأن إفادة اللفظ للأصل والفحوى دلالتان (متغايرتان⁣(⁣٢) ولا لزوم) بينهما (حكماً) بمعنى امتناع الانفكاك بينهما، وغاية ما بينهما اللزوم في الجملة، وهو لا يمنع الانفكاك في الجملة، فجاز رفع كل واحد منهما بدون الآخر.


(قوله): «ولولا حرمة التأفيف ... إلخ» عطف على أن الضرب، فينسحب حكم النفي عليهما جميعاً.

(قوله): «فالمتبوع» وهو الدلالة.

(قوله): «والمرتفع» وهو الحكم.


(١) ومثال هذا حد التائب، فإنه يحد ولا يجوز الاستخفاف به، وكلو أمر الإمام رجلاً بقتل آخر ولم يعلم المأمور استحقاقه الإهانة، فإنه يجب الامتثال ولا يجوز الاستخفاف والإهانة ولا التشفي كما ذلك ظاهر.

(٢) قال ابن جحاف في شرحه للغاية في مسألة نسخ كل من الفحوى والأصل دون الآخر بعد استكمال التكلم على الاحتجاج الثاني القائل بجواز نسخ كل منهما دون الآخر بأنهما حكمان متغايران ما لفظه: ثم إن ظاهر كلام السبكي في جمعه الفرق بين نسخ أحدهما دون الآخر وبين استلزام نسخ أحدهما لنسخ الآخر، وجعل المخالف في الأول دون المخالف في الثاني، قال في شرحه: ولعل الفرق أن الشارع في الأول مع نسخه لأحدهما نص على بقاء الآخر وأطلق في الثاني. اهـ وفيه نظر؛ لأن بقاء أحدهما بدليل غير المنسوخ مما لا يتطرق إليه خلاف؛ إذ لا يلزم منه محال، فلو فرض نسخه لتحريم الضرب مع نصه على بقاء تحريم التأفيف جاز ذلك اتفاقاً؛ لأن تحريم التأفيف حكم مبتدأ لا تعلق له حينئذ بتحريم الضرب ولا بجوازه؛ إذ هو أجنبي غير مغاير له، كما لو أجاز الضرب وحرم السب، وإنما يتصور الخلاف مع الإطلاق فليتأمل.