هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في التعبد بالقياس]

صفحة 247 - الجزء 3

  فقط. فهذان قولان للمانعين، فالأول للإمامية⁣(⁣١) والنظام في رواية وجماعة من


= بمعنى إيجاب الشارع للعمل بموجبه أو إيجاب الشارع إلحاق الفرع بالأصل كما عرفت من التفسيرين، وحجتهم ما سيأتي من أنه طريق لا يؤمن فيه الخطأ ... إلخ كما ذكره ابن الحاجب وشراح كلامه. وأما قول المؤلف: وإما سمعاً فقط فقد نسبه إلى الظاهرية والقاساني والنهرواني، وليس كذلك؛ فإنهم قائلون بجواز التعبد بالقياس، وإنما خالفوا في المسألة الثانية، وهي وقوع التعبد به، وقد صرح المؤلف # بذلك حيث قال: فقائل بأنه لم يوجد في السمع ما يدل على وقوع التعبد به فوجب الامتناع من العمل به ... إلخ. وعبارة ابن الحاجب وشراح كلامه: القائلون⁣[⁣١] بجواز التعبد بالقياس كلهم قائلون⁣[⁣٢] بوقوع التعبد به إلا داود الظاهري والقاساني والنهرواني. قلت: وسبب هذا ما عرفت من جمع الخلاف والبحث في مسألة واحدة.


(١) وادعوا إجماع العترة على امتناع القياس، قال الإمام يحيى #: وتمسك الإمامية بإجماع العترة الضروري، وذلك أنهم قالوا: يعلم من مذهبهم بالضرورة إنكار القياس كما يعلم بالضرورة من مذهب الفقهاء إثباته، والجواب أن أكثر أهل البيت $ قائلون بالقياس، فلو ادعينا إجماعهم على العمل به لكنا أسعد حالاً منهم، كيف لا وعلي # هو المعلم الأول، ولا يخفى عمله بالقياس؟ وكذا من بعده من الأئمة، فمن القدماء علي بن الحسين، وولده زيد بن علي، ومحمد بن عبدالله، وأخواه إدريس وإبراهيم، وغيرهم، ومن المتأخرين الهادي إلى الحق والناصر والسيدان الأخوان والمنصور بالله، فإن لهؤلاء في تقرير القياس وإيضاح معالمه اليد البيضاء، ومن أراد الاطلاع على مصداق ذلك فعليه بالمجزي لأبي طالب وكتاب صفوة الاختيار للمنصور بالله فإنه يجد فيهما تفصيلا لمجمله ومفتاحاً لمقفله، ولقد اختص المنصور برواية أدلة القياس وتحصيلها وجمع مقالات المنكرين وردها، وأفرد على كل واحدة منها مقالاً بحيث إذا اطلع عليه الناظر وفكر فيه المفكر وسلم طبعه عن الحسد وخلع عن عنقه ربقة الهوى علم قطعاً أنه كلام من أحاط علماً بحقائق الأصول وخفيها، وتقدم في معرفة المذاهب مستولياً على واضحها وجليها، فلو كان لأحد من أئمتنا ممن سبق أو تأخر مقالة في رد القياس وإنكارها لنقلها ولردها بالأدلة كما فعل في غيرها وتأولها، فكيف يقال بأن أحداً من الأئمة السابقين أنكر القياس وحجره؟ كلا وحاشا، ومن قعد به العجز أو تأخرت همته عن الاطلاع على كلامهم في الأصول ودقائقها فعليه بالوقوف على أوضاعهم الفقهية ومضطرباتهم الاجتهادية عبادة وغيرها، فإنه يعلم بذلك إكبابهم على تحصيل أكثر المسائل بالأقيسة المعنوية وتعليقها بالأوصاف الشبهية، وما يجري منهم في أثناء المحاورات ومكالمة الخصوم من رد أقيستهم إنما كان لضعف تلك الأقيسة لا لإنكارهم لقاعدة القياس، ومن أعظم أئمتنا في مكالمة الخصوم وأكثرهم غوصاً وتبحراً في العلوم الإمام أبو طالب #، فإنه شاد أقيسة المخالفين بالاعتراض، وحل عراها مقارعة بالأسلحة النظرية وملاحظة للزوم المضائق الجدلية، فمن هذه حاله كيف يقال: إنه منكر للقياس؟ هذا لا يتسع له عقل. (من القسطاس من باب الرد على نفاة القياس).


[١] في المطبوع: القائلين. والمثبت من العضد.

[٢] في المطبوع: كلهم ناطقة بوقوع. والمثبت من المختصر وشرحه.