هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في التعبد بالقياس]

صفحة 263 - الجزء 3

  وأما سمعاً فما (قيل) من أن (الشرع منع من اتباع الظن) فلا يجوز العقل أن يرد الشرع باتباعه بعد المنع منه، بيان ذلك: أنه منع الحكم بالشاهد الواحد وإن أفاد الظن القوي لكونه صدِّيقاً أو للقرائن، وبشهادة غير العدول وإن كثروا وعلمت أنهم متصونون عن الكذب إلى الغاية، وكاشتباه رضيعة بعشر أجنبيات فإن كل واحدة منهن على التعيين يظن كونها غير الرضيعة فمنع اتباع الظن وحرم التزوج بواحدة منهن.

  (قلنا:) بل المعلوم وروده بمتابعة الظن كما في ظاهر الكتاب⁣(⁣١) وخبر الواحد، وفي شهادة أربعة للزنا ورجلين لما عداه من موجبات الحد، ورجل


= إلا ويجري فيه ذلك، ويجوز تخلف الأثر عنه، فإن الزارع لا يزرع بيقين أن يأخذ الريع⁣[⁣١]، والتاجر لا يسافر وهو جازم بأن يربح، والمتعلم لا يتعب في تعلمه وهو يقطع بأنه يعلم ويثمر علمه ما يتعلم له، إلى غير ذلك، بل العقل يوجب العمل عند ظن الصواب وإن أمكن الخطأ تحصيلا لمصالح لا تحصل إلا به على ما لا يخفى في تتبع موارد الشرع، ومن طلب الجزم في التكاليف عطل أكثرها.

(قوله): «يظن كونها غير الرضيعة» قال في شرح المختصر: لتحققه على تسعة تقادير، ولا يتحقق خلافه إلا على تقدير واحد.

(قوله): «لما عداه» أي: لما عدا الزنا، وقوله: «من موجبات الحد» أو غيرها من الأموال ونحوها، وعبارة شرح المختصر: من شهادة أربعة ورجلين ورجل وامرأتين ورجل ويمين.


(١) هذا الجواب لا يفيد، أما خبر الواحد فلأنهم مانعون للعمل به كما تقدم فهو كالقياس، وأما ظاهر الكتاب والشهادات فإن أريد قياس القياس عليها فمع أنه قياس في الأسباب وهو باطل كما سيأتي ظاهر الفرق بأن الشرع أمر باتباع الشهادة والظواهر ولم يأمر بالقياس، وقولكم: إن الشرع إنما منع الشاهد الواحد ونحوه لمانع خاص معارض بأنه إنما جوز العمل بالشاهدين والظواهر لمقتض خاص رجح على مانع اتباع الظن وخصص عموم المنع من العمل بالظن، أما الظواهر فلأن الطلب فيها معلوم ولا بد من امتثاله، ولا يمكن إلا بالظاهر، وإلا كان تكليفاً بما لا يفهم، فذلك من دلالة الاقتضاء العقلية، وأما الشاهدان فلضرورة فصل الخصومات، ولا شيء من الأمرين في القياس؛ فإنه لم يتحقق فيه طلب حكم الفرع ولا دعت إليه ضرورة؛ لأن البراءة عن الحكم فيه كافية، فهو كالشاهد الواحد ونحوه، وتحقيقه أن مراتب الظن متفاوتة، فالمقدار المعتبر منه غير منضبط، فلا يصح تعليل إثبات الحكم به إلا بضابط للقدر المعتبر عنه، ولا ضابط إلا ما عينه الشرع من الظواهر والشاهدين ونحوهما. (جلال).


[١] الريع بالفتح: فضل كل شيء كريع العجين والدقيق والبزر ونحوه. (قاموس).