[مسألة: في أن القياس يجري في الحدود والكفارات]
  أربعين ولا أراها تغني عنهم شيئاً، فاستشار عمر الناس، فقال علي #: «نرى أن تجعلها بمنزلة حد الفرية؛ إن الرجل إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى» فجلدها عمر بالمدينة، وكتب إلى أبي عبيدة فجلدها بالشام. ورواه مالك(١) عن ثور بن يزيد الدِّيلي وعبدالرزاق عن عكرمة بلفظ: «إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى». وهو مروي من طرق كثيرة، أقام(٢) علي # مظنة الشيء مقامه ولم ينكر، بل عمل به الصحابة فكان إجماعاً، فقام دليلاً في المتنازع فيه بخصوصه كما دل عليه الأول بعمومه.
(قوله): «أقام علي # مظنة الشيء مقامه ... إلخ» لأنه # قاس السكر على القذف في ترتب وجوب ثمانين عليه بجامع كونه مظنة للافتراء، ذكره السعد.
(قوله): «كما دل عليه الأول» أي: كما دل الدليل الأول وهو الإجماع على المتنازع فيه «بعمومه» لدلالته على حجية القياس عموماً من غير تخصيص لحكم معين.
(١) في الموطأ والنسائي في الكبرى والشافعي والحاكم وعبدالرزاق أن عمر استشار إلخ ما هنا. (شرح جلال).
(٢) لعل الوصف الجامع كون كل واحد مظنة للافتراء؛ لأن القاذف وإن افترى لم يزل عنه كونه مظنة للافتراء، وهذا أولى، والله أعلم.
(*) قيل: فأقام علي # المظنة مقام المئنة بالقياس، لكنا نبهناك فيما سلف أن هذا قياس اقتراني؛ لأنه اقتضى الحكم على الشارب بأنه مفتر وهي الصغرى، لكنها ممكنة، والصغرى لا تنتج إلا فعلية؛ ولهذا ثبت عند مسلم وأبي داود من حديث أبي ساسان حصين بن المنذر صاحب راية علي # أنه أمر عبدالله بن جعفر بجلد الوليد بن عقبة، وجعل يعد الجلدات حتى بلغ عبدالله أربعين ثم قال له: (أمسك)، ثم قال: (جلد النبي ÷ وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي). وهذا يعارض ما عند مالك والنسائي من رواية القياس عنه #، على أنه لو صح لكان قياساً في الأسباب؛ لأنه لم يقس على المقدار، بل الشرب على القذف في سببيته للثمانين مثله. (جلال). قوله في الحاشية: لكنها ممكنة ... إلخ، قال في العصام: واكتفى في الصغرى بإمكانها كما هو مذهب الفارابي؛ لأن اشتراط فعليتها مبني على وجوب صدق وصف الموضوع على ذاته بالفعل، ولا حاجة إليه بعد صحة كون الحكم في الكبرى على كل مسمى الوسط بالإمكان أو الفعل، غايته أن تكون النتيجة ممكنة، وهي أعم من الفعلية، ويكون وجوب الحكم الذي هو الحد في غير مادة الفعل باستقراء ربط الشارع الأحكام بمظان العلل، كربطه القصر بمظنة المشقة من السفر ونحو ذلك، أو من المكمل كغسل جزء من الرأس وتحريم قليل المسكر.