[مسألة: في أن القياس يجري في الحدود والكفارات]
  وقوله: (وكونه تقديراً لا يعقل ممنوع، وادرؤوا الحدود منقوض بخبر الواحد والشهادة) إشارة إلى حجتين للحنفية وموافقيهم وجوابهما، أما الأولى فتقريرها: أن في شرع الحدود والكفارات تقديراً لا يعقل معناه كأعداد الركعات وأعداد الجلد وتعيين ستين مسكيناً مما لا سبيل إلى إدراك معناه.
  وتقرير الجواب: أن هذا إنما ينفعكم لو عم جميع أحكام الحدود والكفارات، والعموم ممنوع؛ إذ فيها ما يعقل معناه، ونحن لا نوجب القياس في حكم كل حد وكفارة، بل فيما علم معناه منها(١) ومن غيرها.
  وأما الثانية فتقريرها: أنه روي عن علي # عن النبي ÷ أنه قال: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» رواه البيهقي في خلافياته، ورواه ابن عدي عن ابن عباس مرفوعاً، ومسدد عن ابن مسعود موقوفاً، واحتمال الخطأ في القياس شبهة، فيجب أن لا تثبت بها الحدود.
  وتقرير الجواب: أنه منقوض نقضاً إجمالياً بأن يقال: لو صح ما ذكرتم أن كل ما يحتمل الخلاف(٢) شبهة وأن الشبهات في الحديث على عمومها لوجب درء الحدود - أعني عدم إثباتها - بأخبار الآحاد وشهادة الشهود، والحل أنا لا نسلم أن احتمال الخطأ شبهة، فإن ظهور الظن الغالب لا يسمى شبهة.
  واعلم أنه لا منافاة في حكم الحنفية بامتناع جريان القياس في الكفارات وإثباتهم الكفارة بالأكل والشرب في نهار رمضان بجامع عموم الإفساد للوقاع
(قوله): «نقضاً إجمالياً» لعدم توجه هذا النقض إلى مقدمة معينة من مقدمات الدليل.
(قوله): «لوجب درء الحدود ... إلخ» قال العلامة السعد: ولا فرق بين الحدود والكفارات.
(قوله): «فإن ظهور الظن الغالب لا يسمى شبهة» لو قال: فإن احتمال الخطأ في الظن الغالب لا يسمى شبهة لكان أولى.
(١) كما قيس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد، وقطع النباش على قطع السارق، فإن العلة والحكمة فيهما معلومتان. (عضد).
(٢) في نسخة: الخطأ.