[مسألة: في أن القياس يجري في الحدود والكفارات]
  بأحدهما، وعلى تقدير تسليم صلاحية ذلك المشترك بين الوصفين لأن يكون علة للحكم فلم لا يجوز(١) أن يكون علة لسببية(٢) الوصف أيضاً ويكون الحكم
= يعني في الجواب المتقدم، وقوله: «من اتحاد الحكم والسبب» هذا مبني على ما عرفت من المغالطة في هذا الدفع فلا يفيد المقصود؛ لأن عوده إلى ما ذكره النافي من اتحاد السبب والحكم يلزم منه الخروج عن محل النزاع وعن كون النزاع معنوياً؛ لأن السبب المذكور ليس بجامع[١] بين السببيتين في السببية كما هو مراد النافي، بل بين الحدين كما صرح به هذا الدافع، وذلك غير ما نفاه المخالف في جوابه وقوله: «أو بأحدهما» أي: أحد الوصفين مبني على ثبوت السببية في الوصف الثاني بالقياس، وذلك محل النزاع عند النافي، واعلم أن المحقق في شرح المختصر لم يتعرض لما ذكره السعد من الدفع المذكور، بل قرر جواب ابن الحاجب عن حجة الجمهور المشار إليها هنا بقوله: وأجيب.
(قوله): «وعلى تقدير تسليم صلاحية ذلك المشترك بين الوصفين لأن يكون علة للحكم» يعني كما هو مقتضى قول المخالف فيكون القياس في إيجاب القصاص والحد، فإن سوق الكلام يدل على أن علة إيجاب القصاص والحد هو المشترك، وقوله: فلم لا يجوز أن يكون ... إلخ إثبات لما نفاه المخالف بقوله سابقاً: لا في إثبات السببية يعني التي هي محل النزاع، ولكن لا خفاء أنه وإن صلح المشترك علة للحكم لم يصلح علة للسببية عند المخالف؛ لما يأتي من أن علة السببية إن ظهرت وانضبطت استغنت عن إثبات سببية أحد الوصفين قياساً على الآخر، وإن لم تظهر ولم تنضبط فلا جامع بين السببيتين، وكأن المؤلف # أشار إلى دفع الاستغناء عن سببية الوصف بقوله: والوصف معرفاً، يعني أن فائدته مع وجود المؤثر في الحكم هو تعريف الحكم في المواد الجزئية، وبيان ذلك أن معنى كون الشيء مؤثراً في الحكم أن يكون هو الباعث على شرعية الحكم؛ لأنه يحصل من شرعية الحكم لأجله تحصيل مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها، مثلا إذا ثبت بالنص حرمة الخمر فالإسكار هو المؤثر في تحريمه؛ لأنه يحصل من التحريم لأجله تحصيل مصلحة هو حفظ العقل؛ فإذا علل تحريمه بكونه مائعاً يقذف بالزبد كان ذلك أمارة على ثبوت الحرمة في المواد الجزئية، هكذا تحقيق ذلك عندهم، وأنت خبير بأن جريان ذلك فيما نحن فيه بعيد؛ فإن المشترك مثلا بين اللواط والزنا هو الإيلاج المحرم المشتهى، فإذا كان هو المؤثر كما هو المفروض كان الوصف المعرف للحكم هو اللواط، وهو الإيلاج المذكور مع زيادة قيد وهو كونه في دبر، وحينئذ لم ينفك المعرف عن المؤثر، والتعريف يقتضي انفكاك معناه عن معنى التأثير ليحصل التعريف كما في مثال تحريم الخمر، فإن معنى كونه مائعاً يقذف بالزبد منفك عن معنى الإسكار، لإمكان تعقله بدونه، والله أعلم.
(١) يقال: قد وجد الدليل على المنع من ذلك كما يأتي في حجة المنع.
(٢) يقال: سيأتي أن السببية في اللواطة إنما نثبتها باعتبار وصف آخر مغاير مشتمل على حكمة لم توجد فيها، وأما المشترك فإنما أثبت الحكم وهو الحد والقصاص لا السببية، وإن قلنا بوجود حكمة مشتركة اتحد السبب والحكم فلا قياس أيضاً، وسيأتي تحقيق هذا عند قول المؤلف في جواب احتجاج المخالف: قلنا: القياس دليل إلخ فتأمل.
[١] وهو الإيلاج.