هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في شروط العلة]

صفحة 331 - الجزء 3

  النفس وتناول المسكر والزنا والغصب.

  (و) أما الشرطية في الوجه الثاني فلأنها (لا) تستلزم (المظنة المئنة)⁣(⁣١) لا (وجوداً)


(قوله): «وأما الشرطية في الوجه الثاني» وهي قوله: ولو جاز التعليل بالحكمة لما اعتبرت المظنة بدون الحكمة.

(قوله): «فلأنها» الضمير للقصة؛ إذ لا يصح عوده إلى الشرطية، ولو قال: فلأن المظنة لا تستلزم المئنة لكان أوضح.

(قوله): «لا تستلزم المظنة المئنة» إشارة إلى أن هذا الجواب منع للملازمة أيضاً، ويدل عليه قوله في آخر الكلام: فبطلت الملازمة، لكن الملازمة الممنوعة ههنا ليست هي الملازمة المذكورة في دليل المخالف؛ لأن الملازمة في دليله هي قوله: ولو جاز التعليل بالحكمة لما اعتبرت المظنة بدون الحكمة، فمنعها بأن يقال هاهنا: لا يستلزم جواز التعليل بالحكمة عدم اعتبار المظنة، والحاصل أن المستلزم في دليل المخالف جواز التعليل بالحكمة، وهاهنا المستلزم المظنة، لا يقال: قول المخالف: لما اعتبرت المظنة بدون الحكمة قد تضمن أن المظنة مستلزمة للمئنة؛ لأنا نقول⁣[⁣١]: فحينئذ يبطل الجواب بقوله #: لا تستلزم المظنة المئنة؛ إذ يكون بياناً لبطلان اللازم في ملازمة دليل المخالف التي هي لو جاز التعليل بالحكمة لما اعتبرت ... إلخ، وهو مطلوب المخالف. وقد بين في شرح المختصر وحواشيه منع الشرطيتين ببيان واحد جلي حيث قالوا: الجواب فيهما بمنع الملازمة، بمعنى لا نسلم أنه لو جاز لوقع من الشارع ولم يعتبر المظان؛ لأن كلاً من الوقوع واعتبار المظان متوقف على وجود حكمة ظاهرة منضبطة من جملة ما يقصده الشارع في أحكامه، ولا خفاء في أن وقوع اعتبار الشارع إياها وعدم اعتبار المظان الخالية عنها فرع وجود حكمة ظاهرة منضبطة ... إلخ، وهو منتف، وفرض الوجود لا يستلزم الوجود؛ فلذا كان الواقع اعتبار المظنة دون الحكمة، وحين اعتبرت المظنة لم يرد سفر الملوك ولا حضر الحمالين؛ لأن مظنة الشيء لا يجب اطرادها بمعنى إذا وجدت وجدت الحكمة، ولا انعكاساها بمعنى إذا انتفت انتفت الحكمة على ما سيجيئ عن قريب. انتهى، فتأمل. هذا ما أمكن من تحقيق المقام؛ لأنه من المضايق، والله أعلم.


[١] لا خفاء في كلام المؤلف، ومراده الجواب ببطلان اللازم بمعنى عدم تحققه، فالملازمة باطلة من أصلها، هذا ما ظهر، والله أعلم. (قال: اهـ شيخنا المغربي حفظه الله). وفي حاشية هنا ما لفظه: اللازم في دليل المخالف هو عدم اعتبار المظنة، وبطلانه بثبوت اعتبارها، فكأنه قال هكذا: واللازم وهو عدم اعتبارها باطل؛ لأنها قد اعتبرت، فكيف يصح تعليل هذا بقول المؤلف المذكور حتى يكون التقدير هكذا: أن المظنة قد اعتبرت لأن المظنة لا تستلزم المئنة، فلا اعتراض بذلك، نعم المؤلف تعرض لبطلان اللازم في هذه الملازمة بناء منه على جعل الخمس المذكورة من الظاهر المنضبط، فبين وجود التعليل بالحكمة بما مثل به من وجوب الجهاد، ثم رجع إلى إبطال الملازمة بما ذكر في العضد، وكلامه مبني على عدم وجود حكمة كذلك وأن المراد من المسألة المذكورة إنما هو فرض، أي: أنه إذا فرض وجود حكمة كذلك فلا مانع من التعليل بها، هذا خلاصة مراده، فخفي هذا في كلام المؤلف مع دعوى الوجود كما عرفت، وكان الأولى أن لا يأتي بعباراتهم هنالك، وأن يقول مثلا: سلمنا عدم التعليل بالحكمة فيما مثل به لكونها غير منضبطة لكن الملازمة ممنوعة؛ لأن عدم وقوع التعليل بها لنسبة عدم وجودها، حتى لو وجدت لم يكن مانع من التعليل بها، هذا والظاهر أن حفظ الدين ليس علة، بل هو مثل المشقة غير منضبطة فتأمل. (محسن بن إسماعيل الشامي ح).