هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في جواز كون العلة عدمية]

صفحة 342 - الجزء 3

[مسألة: في جواز كون العلة عدمية]

  (مسألة:) اتفقوا⁣(⁣١) على جواز تعليل الحكم الثبوتي بالوصف الثبوتي كالتحريم بالإسكار، والعدمي بالعدمي كعدم نفاذ التصرف بعدم العقل، والعدمي بالوجودي كعدم نفاذ التصرف بالحجر، وأما عكسه - وهو تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي - ففيه الخلاف (و) المختار وفاقاً للجمهور أنه (يجوز كونها عدمية) وإن كان الحكم ثبوتياً، والمراد بكونها عدمية أن يكون العدم مخصصاً بأمر يضاف هو إليه، وأما العدم المطلق فلا كلام في أنه لا يعلل به؛ لعدم اختصاصه بمحل وحكم واستواء نسبته إلى الكل؛ وذلك (لصحة تعليل الضرب بانتفاء الامتثال) مع أن الضرب ثبوتي وانتفاء الامتثال عدمي، قالوا: التعليل هناك بالكف عن الامتثال، وهو أمر ثبوتي محقق⁣(⁣٢).

  (و) أجيب بأن (الكف غير مانع) لما أردناه من التعليل بالعدمي، فإنا نقطع


(١) وفي نسخة: اتفق.

(٢) في المطبوع: متحقق.

(*) لكن لا يخفى أن ذلك يستلزم منع تعليل النفي بالنفي وهو اتفاق، أو صحته فيهما وإلا كان تحكماً. (شرح جلال).

(*) وقد خالف الحنفية في جواز هاتين الحالتين وإن زعم العضد وغيره أن الخلاف إنما هو في الحالة الثالثة فقد صرح ابن الهمام بأن الحنفية لا يجوزون التعليل بالوصف العدمي مطلقاً، والمختار جواز ذلك، لنا أنه قد وقع، والوقوع فرع الصحة بالاتفاق، قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء: ١٦٥]، {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}⁣[الحشر: ٧]، {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}⁣[الحديد: ٢٣]، قالوا: النفي في معنى الإثبات، وهو الكف وهذا أمر محقق وجودي، قلنا: عاد الخلاف لفظياً، على أن المعلوم من اللغة أنه لا يفهم من قولنا: ضربته لأنه لم يمتثل إلا سلب ما دخلت عليه آلة النفي لا لأنه قعد أو اضطجع أو كف نفسه، فدعوى ما ذكرتم افتراء منكم على اللغة؛ إذ آلة النفي الداخلة على الفعل إنما تفيد سلبه عنه، وأما أنها سيقت لإفادة معنى مثبت هو الكف فباطل سلمنا صحته فليصح التعبير بالوصف العدمي أيضاً، وإلا كان تجويزكم للتعبير عن الوصف المنفي بوصف مثبت دون العكس تحكماً ظاهراً. (فواصل).