هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في الاعتراضات]

صفحة 463 - الجزء 3

[فصل: في الاعتراضات]

  ولما فرغ من الكلام في القياس وأركانه شرع في بيان ما يرد عليه من طرق المجادلات الحسنة، ولما كان الغرض منها إظهار الصواب كانت محمودة، ودليلها قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ⁣(⁣١) بِالْحِكْمَةِ⁣(⁣٢) وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}⁣[النحل: ١٢٥]، فقوله: «بالحكمة» إشارة إلى الحجج القطعية⁣(⁣٣)، «والموعظة الحسنة» إلى استعمال الدلائل الإقناعية، وإن كان الخصم مشاغباً⁣(⁣٤) جودل بالطريقة التي


(قوله): «ودليلها قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}⁣[النحل: ١٢٥]، ... إلخ» الأظهر أن الدليل قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ ..} الآية [النحل: ١٢٥]، وأما قوله: {بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} فهو بيان لإيراد نفس الدليل لا مجادلة عما يرد على الدليل من الاعتراضات كما هو المراد.

(قوله): «إلى استعمال الدلائل الإقناعية» سميت إقناعية لأن الغرض منها إقناع القاصر عن إدراك مقدمات البرهان، وفي الكشاف: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}⁣[النحل: ١٢٥]: إلى الإسلام {بِالْحِكْمَةِ} بالمقالة المحكمة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة، {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} هي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها، {وَجَادِلْهُمْ} بالطريق التي هي أحسن المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعسف. وكلامه يدل على أنه ينبغي أن يجمع في الدعوة بين الثلاث من غير نظر إلى من خوطب به، فيكون الكلام حسن التأليف مقصوداً به المناصحة لمن خوطب به، ويكون المتكلم حسن الخلق في ذلك معلماً ناصحاً شفيقاً رفيقاً. وذكر في الكشف أن ذلك بحسب مراتب المدعيين في الفهم والاستعداد، فمن دعي ليفاد اليقين البرهاني هم السابقون، ومن دعي بالموعظة الحسنة وهي الإقناعية الحكمية أي الصادقة في نفس الأمر وإن لم تفد اليقين، لا الخطابيات المشهورة عند المناطقة الشاملة للقضايا التي تسلم من الخصم وإن كانت باطلة في نفس الأمر، وهؤلاء هم طائفة دون أولئك، ومن دعي بالمجادلة الحسنة هم عموم أهل الإسلام والكفار أيضاً، والمؤلف # قد لمح إلى بعض ما في الكشف.

(قوله): «وإن كان الخصم مشاغباً» ينظر أين =


(١) إلى الإسلام. (كشاف).

(٢) في الكشاف: بالحكمة بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة، والموعظة الحسنة وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها، ويجوز أن يريد القرآن أي: ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف.

(٣) في المطبوع: القاطعة القطعية.

(٤) رد على الشارح المحقق عضد الدين حيث تبع المناطقة في أن المشاغبي لا يجاب عليه، فأشار إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قطعي للمشاغبي وغيره، =