[الاستصحاب]
  طرقاً قطعية، بخلاف النفي، ولأن إنكار الحق أكثر من دعوى الباطل، فتعارض الغلبة أصالته فلا يحصل به ظن عند وجود المعارض.
  (و) قالوا ثالثا(١): (نفي جواز القياس للظن) الحاصل من استصحاب حكم الأصل يبطل العمل بالاستصحاب، بيان ذلك: أن جواز القياس يستلزم انتفاء ظن بقاء الأصل؛ لكونه يرفع حكم الأصل، بدليل أنه يثبت به أحكام لولاه لكانت باقية على النفي، فلا يحصل الظن ببقاء الحكم الأصلي إلا عند انتفاء قياس يرفعه، ولا سبيل إلى الحكم بذلك الانتفاء لعدم تناهي الأصول التي يمكن القياس عليها، فمن أين للعقل الإحاطة بنفيها؟
  قلنا: هذا التقريب إنما يتم (قبل البحث) والتفتيش عن الأصول (وهو خلاف الفرض) فإن الفرض فيما بحث فيه العالم فلم يجد أصلاً يرفع حكم
(قوله): «ولأن إنكار الحق ... إلخ» بيان ما ذكره المؤلف # أن النفس إلى دفع غير الملائم أميل منه إلى جلب الملائم؛ ولذلك يدفع كل غير ملائم ولا يجلب كل ملائم بدليل التجربة والاستقراء، فنفي الواقع دفع لغير الملائم، فيكون أكثر لميل النفس إليه، فيكون إنكار الحق وهو نفي الواقع أكثر، وإثبات الواقع في نفس الأمر جلب للملائم، فيكون ميل النفس إليه أقل، فيكون دعوى الباطل - وهو إثبات غير الواقع - أقل، فتكون بينة المثبت أولى لقلة دعوى الباطل فيها وكثرة إنكار الحق في بينة النافي.
(قوله): «فتعارض الغلبة» أي: غلبة إنكار الحق، أي: أكثريته كما في بينة النفي، وقوله: «أصالته» أي: كون الأصل هو النفي «فلا يحصل به» أي: بكون الأصل هو النفي «ظن عند وجود المعارض» في النفي، وهو كثرة إنكار الحق، وهذا منع للملازمة أيضاً لانتفاء الظن بحصول المعارضة.
(قوله): «نفي جواز» إضافة نفي إلى الجواز من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمفعول الظن، واللام للتقوية، والمعنى أن جواز القياس ينفي الظن الحاصل بالاستصحاب.
(قوله في الشرح): «يبطل العمل» هو خبر نفي الجواز، وأما في المتن فخبره قوله: قبل البحث الحاصل من الاستصحاب.
(١) وهو مما يختص بدفع استصحاب البراءة الأصلية: إنه لا ظن للبقاء على حكم البراءة مع جواز الأقيسة، وإلا لوجب استصحاب عدم الحكم في الفرع، قلنا: من لا ينقل البراءة بالقياس بتخريج المناط يمنع عدم بقاء حكم الأصل، ومن ينقلها به يقول: الفرض استصحابه بعد بحث العالم عن المعارض فلم يجده، فإذا وجد القياس المعارض له امتنع الاستصحاب. (مختصر وشرحه للجلال).