هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الخلاف في تعبده ÷ قبل البعثة بشرع]

صفحة 556 - الجزء 3

  بتحنثه وحجه وطوافه وركوبه)⁣(⁣١) أما تحنثه فقد جاء في الحديث الصحيح أنه كان يخلو بغار حراء فيتحنث⁣(⁣٢) فيه الليالي ذوات العدد - والتحنث التعبد - حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، وأما حجه وطوافه فقد ثبت أنه ÷ كان يحج ويقف مع الناس بعرفات، ولا يقف مع الحمس⁣(⁣٣)، والحج كانت العرب تطوف فيه، وفي السيرة كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره - يعني: في غار حراء - الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعاً أو ما شاء الله من ذلك، وأما ركوبه ففي حديث جبير بن مطعم قال: لقد رأيت النبي ÷ قبل أن ينزل عليه


= فإن العقل بمجرده لا يحسنه، وبهذا التقرير يندفع اعتراض الآمدي من أنا لا نسلم ثبوت شيء من ذلك بنقل يوثق به، وبتقدير ثبوته فلا يدل على أنه كان متعبداً شرعاً؛ لاحتمال أن يكون بطريق التبرك بفعل مثل ما نقل جملته عن الأنبياء المتقدمين واندرس تفصيله. وكذا يندفع ما ذكره في المنهاج والقسطاس من أنه قد يحسن الطواف والسعي إذا كان هناك غرض، وقد كان الغرض دفع الذم من قومه، والعقل قاض بذلك، فلعله فعل ذلك لهذا الغرض.

(قوله): «بتحنثه ... إلخ» قال في المنهاج: وكذا كان يسعى ويحرم، وكل ذلك إنما يحسنه الشرع لا العقل.

(قوله): «والتحنث التعبد» في شرح المختصر: التحنث الاعتزال للعبادة⁣[⁣١].

(قوله): «مع الحمس» هم قريش، كان لهم في الوقوف والإفاضة أمور يختصون بها من بين الناس كما ذلك معروف.

(قوله): «والحج كانت العرب تطوف فيه» وقد ثبت أنه ÷ كان يحج مع الناس، فيثبت طوافه كما كانوا يفعلون.


(١) الظاهر أنه كان يحج ويطوف ويتحنث تبركاً بما تواتر إليه من شرع من قبله جملة، ولا دلالة في ذلك على أنه نزل عليه وحي به أو إلهام من قسم الوحي، فإثبات تعبده بشرع من قبلنا موقوف على الوحي عند من ينفي حكم العقل، ويجوز أن كل من بلغه شيء من شرع الأنبياء قبله ÷ وجب عليه العمل به؛ لتواتر نبواتهم ومعجزاتهم. (عن خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد).

(٢) أي: يتجنب الحنث، وهو الإثم بعبادة الأصنام وغيرها مما كانت العرب تفعله، وذلك أنه كان يعتزل إلى غار حراء. (جلال).

(٣) في القاموس: والحمس الأمكنة الصلبة، جمع أحمس، وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية؛ لتحمسهم في دينهم، أو لالتجائهم بالحمساء، وهي الكعبة؛ لأن حجرها أبيض إلى السواد. اهـ وقيل: الحمسة الحرمة، فسموا حمساً لنزولهم بالحرم. (من بعض كتب الحديث).


[١] ما ذكره الشارح هو الموافق لما في النهاية حيث قال: يقال: فلان يتحنث أي: يفعل فعلا يخرج به عن الإثم، كما تقول: يتأثم ويتحرج إذا فعل ما يخرج به عن الإثم والحرج. (ح).