هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الخلاف في تعبده ÷ وتعبد أمته بعد البعثة بشرع من قبله]

صفحة 561 - الجزء 3

  (و) ثانياً: بأنه يلزم من التعبد به وجوب تعلم أحكامه والبحث عنها، والإجماع بنفيه. وأجيب بأن (الاقتصار على التواتر) لكون الآحاد لا تفيد لعدم العلم بعدالة الأوساط (ينفي وجوب تعلمها) لأن التواتر لا يحتاج إلى تعلم وبحث⁣(⁣١).

  (و) ثالثاً: بالإجماع على أن شريعته ناسخة لكل الشرائع، وهو ينافي تعبده بها (و) أجيب بأن (نسخ شريعته) إنما هو (لما خالفها) من الأحكام؛ للقطع بأنها لم تنسخ جميع الأحكام، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}⁣[الأنعام: ٩٠]، والهدى اسم الإيمان والشرائع جميعاً؛ لقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}⁣[لقمان: ٥] بعد وصف المتقين بالكل، وقوله تعالى: {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}⁣[النحل: ١٢٣]، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}⁣[الشورى: ١٣]، والملة والدين اسم الكل.


(قوله): «وجوب تعلم أحكامه» أي: يجب علينا تعلم أحكام شرع من قبلنا؛ لكونه فرض كفاية كمعرفة سائر الأحكام.

(قوله): «للقطع بأنها لم تنسخ جميع الأحكام» كالقصاص وحد الزنا ونحو ذلك، وقد استدل في شرح المختصر على هذا بقوله: وإلا وجب نسخ وجوب الإيمان وتحريم الكفر لثبوتهما في تلك الشرائع. وعدل المؤلف إلى الاستدلال بهذه الآيات الشاملة لغير الاعتقاديات، ليندفع ما أورده السعد على ما ذكره في شرح المختصر، وهو أن الكلام في التعبد بشرع من قبلنا إنما هو في الفروع لا في الاعتقادات، قال في المنهاج: لأن اعتقاد الأنبياء # كلهم واحد لا يختلف، بخلاف العمليات فالمصالح فيها مختلفة باختلاف الأزمنة والأشخاص لكن مقتضى ما ذكره المؤلف # في هذه الآيات وجوب التعبد بجميع الأحكام، فكيف يصح الاستدلال بها على أن شريعته ÷ لم تنسخ إلا البعض؟ إذ مقتضاه أنه لا يجب التعبد إلا بالبعض.

(قوله): «بعد وصف المتقين بالكل» أي: بالإيمان والشرائع لقوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}⁣[البقرة] ... إلخ، ولعل المراد أن المتقين وصفوا بجنس الشرائع لا بكلها؛ إذ لم يوصفوا إلا ببعضها.


(١) لكن لا يخفى ضعف هذا الجواب، فإن التواتر إنما يحصل بالبحث، وإنما الذي لا يحتاج إلى البحث هو البديهي. (جلال).