هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في الخلاف في تعبد النبي ÷ بالاجتهاد]

صفحة 574 - الجزء 3

  حكمه حكمنا في تعلق مصلحته بالتوصل إلى كثير من الأحكام من طريق القياس والاجتهاد، فيتعبد بذلك كما تعبدنا (قيل:) لو جاز له الاجتهاد للزم أن (يجوز) عليه (الخطأ) كما يجوز على سائر المجتهدين (قلنا:) جواز الخطأ (ممنوع) في حقه (للعصمة) عنه (واستلزام) جوازه (عدم الثقة) بقوله، فلا يجوز عليه الخطأ فيما يجتهد فيه وإن جاز علينا، كما لا يجوز عليه السهو والغلط فيما يبلغه عن الله تعالى، وإلا وقع الريب في جميع أحكامه؛ لاحتمال كونها عن اجتهاد مغلوط فيه، وذلك مما يقتضي التنفير عن القبول منه (سلمنا) تجويز الخطأ عليه كما ذهب إليه بعض القائلين بالوقوع (فلا يقر عليه اتفاقاً) فلا يلزم منه عدم الثقة بقوله.

  احتج أهل (المنع) بأنه ÷ (قادر على اليقين) في الحكم بانتظار الوحي (فيحرم) عليه (الظن) الذي لا يحصل من الاجتهاد سواه (ورد بالمنع) فإن إنزال الوحي غير مقدور له، وانتظاره لا يستلزمه، ولذا كان يحكم بالشهادة مع أنها لا تفيد إلا الظن.

  احتج أهل (الوقوع) بقوله تعالى: {(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ) لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}⁣[التوبة: ٤٣]، فعوتب ÷ على حكمه الذي هو إذنه للمنافقين في القعود والتخلف عن غزاة تبوك، ولا عتاب فيما علم بالوحي.

  (و) احتجوا أيضاً بقوله ÷(⁣١): («لو استقبلت) من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي» أخرجه مسلم وغيره عن جابر من حديثه الطويل، معناه لو علمت أولاً ما علمت آخراً، ومثله لا يستقيم إلا فيما عمل بالرأي، فقد عمل في


(قوله): «كما ذهب إليه بعض القائلين بالوقوع» واختاره ابن الحاجب، ورد الاحتجاج بالعصمة على عدم جواز الخطأ.

(قوله): «لا يستلزمه» أي: يستلزم إنزال الوحي.

(قوله): «لا تفيد إلا الظن» ولا يلزمه انتظار الوحي اتفاقاً.

(قوله): «ومثله» أي: ومثل هذا الكلام في غير الحكم الشرعي من الآراء والحروب ... إلخ، وقد أشار إلى مثل ما ذكره المؤلف # في حواشي شرح المختصر، لكن يقال: الإذن للمعتذرين في ترك الواجب - وهو الغزو والجهاد - حكم شرعي.


(١) حين أمر الصحابة ¤ بالتمتع وتخلف عنهم. (من غاية الوصول).