هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[تعريف الاجتهاد]

صفحة 575 - الجزء 3

  السوق بالرأي، وهو حكم شرعي.

  (و) رد (الأول) من الدليلين بأنه وارد (في غير) الحكم (الشرعي) من الآراء والحروب⁣(⁣١) والأمور الدنيوية، ولا نزاع فيه.

  (و) رد (الثاني) بمنع كون معنى الحديث ما ذكرتم، بل معناه لو استقبلت من أمري ما استدبرت (في اختيار بعض ما ثبت بالوحي) من أنواع الحج الثلاثة (لا ابتداء حكم) فلم يكن السوق عن اجتهاد، بل كان مخيراً بين القران فيسوق وبين غيره فلا يسوق، وإنما قال ذلك تطييباً لنفوس أصحابه؛ لأنه كان يشق عليهم مخالفة فعله.

  وحجة (عدم الوقوع) قوله تعالى: {(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}⁣[النجم]، معناه أن كل ما ينطق به عن وحي، وهو ينفي الاجتهاد (ورد بتخصيصه بما بلغ) من القرآن؛ لأنها لرد قولهم فيه: إنه مفتر (وإن سلم) عمومه (فتعبده بالاجتهاد) ثابت (بالوحي)⁣(⁣٢) فيكون الحكم الثابت بالاجتهاد الثابت بالوحي ثابتاً بالوحي⁣(⁣٣).


(قوله): «بل كان مخيراً بين القران فيسوق وبين غيره فلا يسوق» فهو كخصال الكفارة، واختيار شيء من ذلك لا يطلق عليه الاجتهاد.

(قوله): «وإنما قال ذلك تطييباً لنفوس أصحابه ... إلخ» دفع لما يقال: اختيار النبي ÷ لبعض ما ثبت بالوحي لا يناسبه: «لو استقبلت من أمري ... إلخ»؛ لإشعاره بالخطأ في الاجتهاد؛ إذ لا خطأ في اختيار بعض ما ثبت بالوحي، ووجه الدفع أن أصحابه ÷ لما شق عليهم مخالفة فعله ÷ أتى النبي ÷ بتلك العبارة تطييباً لنفوسهم، بتنزيل نفسه ÷ منزلة من وقع منه الاجتهاد وأخطأ فيه.

(قوله): «وإن سلم عمومه» بناء على أن خصوص السبب لا يوجب خصوص الحكم.

(قوله): «الثابت بالوحي» صفة للاجتهاد.


(١) لكن يقال: الإذن للمعتذرين في ترك الواجب حكم شرعي.

(٢) يفهم من رده على القائل بالوقوع والقائل بعدمه أنه يختار الوقف.

(٣) لكن لا يخفى سقوط هذا الجواب؛ لاستلزامه كون اجتهاد المجتهدين كلهم عن وحي؛ لأنهم مأمورون بالاجتهاد بوحي، مثل قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}⁣[الزمر: ٥٥]، كما تقدم، وتحقيقه أن الإيحاء بالاجتهاد لا يستلزم الإيحاء بالمجتهد فيه. (جلال).