[تعريف الاجتهاد]
  قالوا ثالثاً: لما عصم الإجماع عن الخطأ لكون أهله أمة الرسول عليه الصلاة والسلام فنفسه أولى بهذا الشرف، وأجيب بأن العصمة في الإجماع بعد القرآن(١)، ومثل هذا مسلم في حقه ÷.
  احتج الفريق الآخر أما عقلاً فبأن لا مانع منه من حيث بشريته، وليس علو رتبته وكمال عقله وقوة حدسه مانعاً؛ لأن السهو والخطأ للغفلة من لوازم الطبيعة البشرية، فإذ جاز سهوه حال المناجاة كما ثبت أنه سها فسجد فالخطأ في غيرها بالأولى، وأما نقلاً فبقوله تعالى: {(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)}[التوبة: ٤٣]، دل على أن إذنهم كان خطأ، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ..} الآية [الأنفال: ٦٧] حتى قال عليه الصلاة والسلام: «لو نزل بنا عذاب ما نجا منه إلا عمر(٢)»؛ لأنه أشار إلى القتل وغيره إلى الفداء، فهو خطأ،
(قوله): «وأجيب بأن العصمة في الإجماع بعد القرآن ... إلخ» لعله أراد بعد ثبوت القرآن؛ لتوقف عصمة الإجماع على السنة المتوقف حجيتها على القرآن، وهو على عصمة النبي ÷، فلا مرية، إنما المرية لو لم تتوقف على ذلك، وقد أجاب في شرح المختصر بجواب أوضح من هذا[١]، وأما صاحب العواصم فإنه منع القول بأن الأمة معصومة باطناً وظاهراً وقال: لأنه إذا جاز على النبي ÷ الحكم بالظاهر وإن كان الأمر بخلافه في نفس الأمر كما ورد في قوله ÷: «فمن حكمت له من مال أخيه ..» الخبر ونحوه، فالأمة أحرى، واستيفاء الكلام يؤخذ من العواصم[٢].
(قوله): «وليس علو رتبته ... إلخ» إشارة إلى دفع اعتراض السعد بأن ذلك مانع.
(قوله): «حال المناجاة» يعني لله تعالى في الصلاة.
(١) أي: بعد انقطاع الوحي.
(٢) فدل على أن أخذه ÷ الفداء كان بالاجتهاد، وكان ذلك الاجتهاد خطأ؛ لأنه لو كان صواباً لما ترتب عليه العذاب على تقدير عدم سبق الكتاب، فإن قلت: كيف ترتب عليه وقد تقرر أن المخطئ في الاجتهاد له أجر واحد؟ قلت: الأجر على تقدير أن لا يكون خلاف ما أدى إليه ظاهراً، فأما إذا كان ظاهراً فلا، بل يستحق المجتهد العذاب، =
[١] حيث قال: الجواب أن اختصاصه بالرتبة المعينة وهي رتبة النبوءة التي هي أعلى رتبة المخلوقين وكون أهل الإجماع الذين لهم رتبة العصمة متبعين له يدفع أولويته برتبة العصمة، وذلك كرتبة القضاة لا تكون للإمام، ورتبة الإمارة لا تكون للسلطان، ثم لا يعود ذلك عليهما بضير ولا نقص، فكذا هنا. (ح).
[٢] في الجزء الأول منها. (ح).