هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[تعريف الاجتهاد]

صفحة 578 - الجزء 3

  وقوله ÷: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي فلعل⁣(⁣١) بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها»، فدل على أنه قد يخفى عليه⁣(⁣٢) الحق الباطن، وأجيب بأن ذلك في الآراء والحروب وفصل الخصومات، والكلام في الأحكام، ولا يقال: إن فصل الخصومات يستلزم الأحكام الشرعية، وهي الحل لشخص والحرمة لآخر، فيقتضي جواز خطئه فيها؛ لأنه يقال: إنما يتم ذلك عند من يقول: إن الحكم ينفذ ظاهراً وباطناً كما هو رأي الحنفية، وأما على ما هو الحق فلا، ولو نفذ باطناً وحل لم يكن قطعة من النار، ولو كان هذا من الاجتهاد في الأحكام لم يقر عليه؛ للإجماع على أنه لا يقر على خطأ في اجتهاده⁣(⁣٣).


(قوله): «إنما يتم ذلك» أي: دلالة الخبر على جواز الخطأ في الأحكام.

(قوله): «وأما على ما هو الحق» من أنه لا ينفذ باطناً «فلا» خطأ؛ لأن الحكم كالمقيد بكونه في الظاهر، وهو كذلك.

(قوله): «ولو كان هذا» أي: فصل الخصومات من الاجتهاد في الأحكام ... إلخ.


= ألا ترى أن المبتدعة قد كانوا مجتهدين، فحيث كان خلاف رأيهم ظاهراً استحقوا العذاب حيث قال ÷: «كلها في النار إلا واحدة» بعد قوله: «ستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة». ومنهم من قال: معنى سبق الكتاب أنه كتب في اللوح أن لا يعذب المخطئ في الاجتهاد. ويرد عليه تعذيب المبتدعة، وقد يجاب بتخصيص عدم العذاب بما إذا لم يكن في العقيدة. فإن قلت: إذا كانت الحكمة في عدم تعذيب المخطئ أنه بذل وسعه في طلب الصواب فلا يفترق الحال بكون المجتهد فيه عملياً أو اعتقادياً، قلت: في الاعتقادي لم يكن المحل صالحاً للاجتهاد لوجود النصوص المفيدة للقطع، والشارع قد منعهم عن الخوض في ذلك. (شرح بادي شاه للتحرير).

(*) أورده في تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب لابن كثير (١/ ٤٠٢) بلفظ: «لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه غير عمر» وقال بعده: هذا الحديث بهذا اللفظ لم أره في شيء من الكتب.

(١) في نسخة: ولعل.

(٢) في المطبوع: عنه.

(٣) في المطبوع: اجتهاد.