هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[تعريف الاجتهاد]

صفحة 589 - الجزء 3

  (وقيل:) بل عليه دليل (قطعي) وهو مذهب الأصم والمريسي (وقيل:) لا دليل عليه (إنما هو كدفين يصاب) أي: تتفق للبعض إصابته.

  احتج (الأول) وهو القائل بوحدة الحق وتخطئة البعض بوجوه عقلية ونقلية، أما العقلية فمنها: أن (الاجتهاد طلب الحكم فيتوقف عليه) فيكون


(قوله): «أي تتفق للبعض إصابته» أي: يعثر عليه البعض على سبيل الاتفاق.

(قوله): «الاجتهاد طلب الحكم» الطلب إنما يتوقف على مطلوبٍ مَّا لا على خصوصية مطلوب هو الحكم، لكن لما كان المجتهد طالباً لمطلوب خاص هو الحكم قال المؤلف: الاجتهاد طلب الحكم. واستدل المؤلف # على ذلك بقوله: والطالب لا بد له من مطلوب، فلم يخصص المطلوب ليتم الاستدلال؛ لأن توقف الطلب المطلق على مطلوبٍ مَّا ضروري؛ لكون الطلب من الأمور النسبية، فيتوقف الطلب الخاص على مطلوب خاص متقدم، وهو الحكم، والمؤلف # اعتمد في تقرير هذا الاستدلال ما ذكره الرازي في المحصول مع زياد تحقيق، فينبغي نقل ما ذكره في المحصول ليظهر مراد المؤلف #، قال فيه: المجتهد طالب، والطالب لا بد له من مطلوب متقدم في الوجود على وجود الطلب، فلا بد من ثبوت حكم قبل ثبوت الطلب، وإذا كان كذلك كان مخالف ذلك الحكم مخطئاً، ثم قال: فإن قلت: لا نسلم أن المجتهد يطلب حكم الله تعالى، بل إنما يطلب غلبة الظن، ومثاله من كان على ساحل البحر فقيل له: إن غلب على ظنك السلامة أبيح لك الركوب، وإن غلب على ظنك الهلاك حرم عليك الركوب، وقبل حصول الظن لا حكم لله عليك، وإنما حكمه يترتب على ظنك بعد حصوله، فهو يطلب الظن دون الإباحة والتحريم، ثم قال: قلت: المجتهد إما أن يطلب الظن كيف كان أو ظناً صادراً عن النظر في أمارة تقتضيه، الأول باطل بإجماع الأمة، فثبت أنه يطلب ظناً صادراً عن النظر في الأمارة، والنظر في الأمارات متوقف على وجود الأمارة، ووجود الأمارة متوقف على وجود المدلول، فثبت أن طلب الظن متوقف على وجود المدلول، فلو كان وجود المدلول متوقفاً على حصول الظن لزم الدور انتهى. فقول المؤلف #: قيل المطلوب الظن إشارة إلى السؤال المذكور في المحصول، وحاصله أن الظن إذا كان هو المطلوب فهو متأخر عن الطلب؛ لخلو المجتهد عنه قبل الطلب وقبل حصول الظن لا حكم لله تعالى، وقد عدل المؤلف # عن جواب المحصول إلى الجواب بقوله: قلنا: له - أي: الظن - متعلق يتوقف الظن عليه، فيتقدم المتعلق على طلب الظن كما هو المدعى، وزاد المؤلف # على ما ذكره في المحصول قوله: والمثال ليس مما نحن فيه إلى قوله: وإنكاره مكابرة - دفعاً لما يقال: المطلوب في المثال المذكور هو غلبة الظن، والمتعلق هو السلامة والهلاك المترتب على ظنهما الحكم الشرعي، فالحكم الشرعي الذي هو الإباحة والتحريم إنما يثبت بعد الظن، فأجاب بأن المثال المذكور ليس مما نحن فيه، فإن الحكم الشرعي في المثال المذكور يترتب على فرض غلبة الظن بالسلامة أو الهلاك، فلم يتقدم الحكم الشرعي على الظن، بل ترتب عليه لمكان حرف الشرط، بخلاف المجتهد فإن متعلق ظنه ليس بمفروض ثبوته على غلبة الظن، بل متعلق الحكم الشرعي الثابت، والمجتهد يطلب تعيين ذلك الحكم الثابت هل هو هذا أي الإباحة أو هذا أي الوجوب مثلا، وهذا معلوم ضرورة كما ذكره المؤلف #، فقول المؤلف #: لأن متعلق الظن ... إلخ تعليل لمغايرة ما نحن فيه للمثال المذكور كما عرفت، وكان الأولى أن يقول المؤلف #: بمعنى أن المجتهد يطلب الظن بأن حكم الله تعالى ... إلخ كما لا يخفى، وقوله: أن المجتهد، تنبيه على كون ما ذكره ضرورياً بالاستدلال على الضرورة.