[تعريف الاجتهاد]
  نعم، إذا أخذت القضية القائلة بأن مظنون المجتهد مقطوع به(١) مشروطة أو عرفية لم يلزم المصوبة امتناع ظن النقيض كالمخطئة، لكنه يبقى التناقض؛ لكونهم يقطعون بأن الحكم المجتهد فيه ثابت في نفس الأمر، وبقاء الظن بالمجتهدات مما لا يمكن إنكاره.
  (وأيضاً) لو لم يكن لله تعالى في كل واقعة حكم لكان (يلزم أن يكون المجتهد) إذا اجتهد في واقعة متجددة (مبتدئاً) شرعاً.
  (و) أيضاً لو كان الكل حقاً فإذا تغير الاجتهاد فإن بقي الأول حقاً لزم اجتماع المتنافيين، وإن لم يبق صار الاجتهاد الثاني (ناسخاً)(٢) للأول، وكذا المقلد إذا صار مجتهداً، والإجماع على أن ابتداء الشرائع ونسخها إنما هو بالوحي لا بالاجتهاد من آحاد الأمة.
  وأما الأدلة النقلية فالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:
(قوله): «نعم ... إلخ» أي: نعم يرفع المحذور الحاصل من الظن الأول، لكن المرفوع محذور آخر غير اجتماع النقيضين؛ لأن المرفوع هنا امتناع ظن نقيض الحكم مع تذكر موجب الحكم، فإنه لا يلزم المصوبة إذا أخذت القضية القائلة بكون مظنون المجتهد مقطوعاً به مشروطة أو عرفية؛ إذ يكون التقدير: مظنون المجتهد مقطوع به ما دام مظنوناً، فإذا تبدل الظن بأن تغير إلى ظن النقيض زال القطع بالحكم الأول لزوال شرطه، فلا يمتنع ظن النقيض مع تذكر الظن الأول.
(قوله): «كالمخطئة» أي: كما لم يلزم المخطئة؛ لما عرفت من قول المؤلف # سابقاً: لكنه ليس موجباً له دائما ... إلخ.
(قوله): «لكنه يبقي التناقض» أي: لكنه يبقي المحذور الآخر وهو لزوم التناقض، أي: اجتماع القطع والظن أي عدم العلم في الحكم المستنبط.
(قوله): «لكونهم» أي: القائلين بالتصويب «يقطعون بأن الحكم المجتهد فيه ثابت في نفس الأمر» إذ لا حكم لله في الواقعة عندهم متقدم، بل الحكم الثابت في نفس الأمر هو ما ظنه المجتهد، وقد حصل له ذلك، فيوجب القطع؛ إذ ليس في الواقع خلاف ما ظنه.
(قوله): «مما لا يمكن إنكاره» لما عرفت من أنه متحقق بالوجدان فإنكاره بهت.
(١) عملا. (فصول بدائع).
(٢) وأجيب بأنه إلزام مشترك؛ للاتفاق على أنه إذا ظن حكماً أوجبه الله عليه، وإذا رجع عنه إلى غيره بطل إيجاب الله له عليه، وهو معنى النسخ.