[تعريف الاجتهاد]
  {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}[الأنبياء: ٧٩]، وكان حكم داود بالاجتهاد دون الوحي، وإلا لما جاز لسليمان خلافه، ولا لداود الرجوع عنه، فلو كان كل منهما حقاً لم يكن لتخصيص سليمان جهة ولم يحل له الاعتراض على من لم يخطئ، فكيف إذا كان أباً نبيئاً؟ والقول بجواز الاعتراض لتركه الأولى فإنه في الأنبياء $ بمنزلة الخطأ(١) في غيرهم مع بعده فإن قوله: {فَفَهَّمْنَاهَا} يفيد بظاهره تفهيم مطلق الحكومة لا الحكومة المقيدة بكونها الأولى، فإن التقييد خلاف الظاهر - يؤول إلى التخطئة، وهو المطلوب، وقول سليمان: غير هذا أرفق للفريقين مع أنه خبر واحد لا يقتضي جواز الحكمين، فلعل الأرفقية موجبة للتعيين، وقوله تعالى: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء: ٧٩] يحتمل إيتاء الحكمة ومناسبة الأحكام والعلم بطريق الاجتهاد، وهو الظاهر المراد هنا للقرائن السابقة.
  وأما الإجماع فإن الآثار دالة على أن الصحابة كانوا يرددون الاجتهاد بين الصواب والخطأ ويخطئ بعضهم بعضاً بحيث تواتر القدر المشترك، وهذا ما
(قوله): «فكيف إذا كان» أي: من لم يخطي.
(قوله): «والقول» مبتدأ، خبره قوله فيما يأتي: يؤول إلى التخطئة، وقوله: فإنه أي ترك الأولى.
(قوله): «مع بعده» أي: بعد هذا القول. وإنما آل إلى التخطئة لأن الأولى في الواقعة هو الحكم المتقدم على الطلب.
(قوله): «وقول سليمان» مبتدأ، خبره: لا يقتضي جواز الحكمين حتى يلزم القول بالتصويب.
(قوله): «مع أنه» أي: القول «خبر واحد» والمسألة اعتقادية أصلية.
(قوله): «فلعل الأرفقية موجبة للتعيين» أي: لتعيين المطلوب، فيلزم التخطئة كما لزم من الأولوية ذلك.
(قوله): «وكلا آتيناه حكماً ... إلخ» يعني أن ظاهره حجة للقائل بالتصويب؛ لأن معناه أن حكمهما جميعاً عن علم ورضى منه تعالى، وذلك يقتضي الإصابة منهما. ورد ذلك المؤلف # بقوله: يحتمل إبقاء الحكمة ... إلخ، يعني لأنه لم يقل آتينا حكما وعلماً فيما حكم به في تلك المسألة، فيحتمل أن يكون المراد إيتاء الحكمة ومناسبة الأحكام لمواردها.
(قوله): «والعلم بطريق الاجتهاد» عبارة أبي الحسين: فيجوز أن يكون المراد آتاهما علوم الاجتهاد، وذلك لا يقتضي الإصابة.
(١) هذا ممنوع، سنده: «فإنما أقطع له قطعة من نار». (عن خط السيد العلامة عبدالقادر).