هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[تعريف الاجتهاد]

صفحة 612 - الجزء 3

  كالنجوم)⁣(⁣١) بأيهم اقتديتم اهتديتم (للمقلدين) بيان ذلك أن معنى: {إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}⁣[النحل] إن كنتم لا من أهل⁣(⁣٢) العلم؛ تشعر به مقابلة إن كنتم لا تعلمون بأهل الذكر، والمراد بأهل العلم أهل القدرة على تحصيله، فإن المجتهد من أهل الذكر، ولو كان المراد ما ذكرتم لجاز تقليد المجتهد لغيره بعد الاجتهاد إذا كان ظاناً للحكم⁣(⁣٣)؛ لأنه حينئذ لا يعلمه⁣(⁣٤). والخطاب في الحديث للمقلدين كما سبق⁣(⁣٥)، ولو سلم فيختص بالأصحاب لبركة الصحبة واحتمال السماع، فلا يفيد في عموم الدعوى. ومنها أن المطلوب الظن، وهو حاصل بفتوى الغير، والجواب ما مر أن ظنه باجتهاده أقوى من ظنه بفتوى الغير، فيجب العمل بالأقوى.


(قوله): «بأهل الذكر» حيث لم يقل الذاكرين.

(قوله): «أهل القدرة على تحصيله» فيفهم منه أن من تكون له القدرة على تحصيله كالمجتهد لا يجوز له السؤال.

(قوله): «فإن المجتهد من أهل الذكر» جعله المؤلف # مرتباً على ما سبقه فيكون المجموع دليلا واحداً، ولكن في الترتيب خفاء. وفي شرح المختصر جعله دليلا آخر حيث قال: ولأن المجتهد من أهل الذكر، وحاصله: أن المجتهد قبل الاجتهاد من أهل الذكر لما عرفت من الفرق بين الذاكرين وأهل الذكر، فالمفهوم من الأمر أنه يجب على غير أهل الذكر الرجوع إلى أهل الذكر؛ إذ المتساويان في العلم لا يؤمر أحدهما بالسؤال للآخر؛ للقطع بأن المراد حصول العلم للسائل، فدل ذلك على أن الخطاب للمقلدين خاصة، قال في شرح المختصر وحواشيه: في دلالة الآية على أن الخطاب للمقلدين تمحل لا يخفى؛ لاحتياج دلالته على ذلك إلى هذه المقدمات.


(١) تقدّم في الجزء الثاني للمؤلّف # الكلام على الحديث والقدح في رواته. قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي # في لوامع الأنوار ج ٣/ص ٤٥٣/الفصل السابع/ط ٥: «وأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، وهو من الأحاديث الموضوعة، المجروح رواتها بالكذب؛ وقد أوضح محمد بن إبراهيم في التنقيح، والإمام القاسم بن محمد #، وولده الحسين #، في بطلانه ما يكفي. انتهى.

(٢) وقد يقال: الآية نفت العلم بالفعل، والمجتهد قبل أن يجتهد بالفعل غير عالم بالفعل؛ ولهذا قيل: لا نسلم كون التقليد بدلاً، بل مخيراً فيه وفي الاجتهاد، فالمنتهض إنما هو قوله: ولأن المجتهد من أهل الذكر، فيجب أن يكون السائل غير المسؤول. (جلال).

(٣) لكن قد عرفت أن المطلوب الظن الأقوى كما تقدم، وظن نفسه - أي: المجتهد - أقوى من ظنه بفتوى الغير.

(٤) فيه: أن العلم يطلق على الظن.

(٥) في مسألة إجماع أهل المدينة.