[مسألة: في الخلاف في جواز خلو زمن عن مجتهد]
  (قيل:) غاية ما ذكرتم من الدليل أنه (ينفي الخلو) عن المجتهد (لا الجواز) لخلوه، والنزاع في الثاني دون الأول.
  (قلنا:) الذي لم ينفه دليلنا هو الجواز (العقلي) أي: جواز خلو الزمان عن مجتهد عقلاً (وهو غير المدعى) إذ المدعى إنما هو امتناع خلو الزمان عن المجتهد من جهة الشرع دون العقل.
  (وقيل: يجوز) الخلو، وهو مذهب الإمام يحيى(١) والأكثرين (لقوله ÷: «إن الله لا يقبض العلم ..» الخبر) عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله ÷ يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهو ظاهر في الجواز والوقوع حيث أخبر بقبض العلم والعلماء، وأتى بكلمة إذا التي أصلها تحقق وقوع مدخولها، وهو نفي إبقاء العالم على العموم.
  (قلنا:) هذا الحديث (لا يعارض) الحديث الأول لكونه (متواتر المعنى، فيُتَأوَّل) هذا بأن المراد بقبض العلماء قبضهم عن تمكين البسطة في الأرض وظهورهم على الجهال(٢)، فقبض العلماء هو قبض بسطتهم، واستعمال بسط اليد في الأرض على معنى القهر فيها والغلبة، واستعمال القبض على عكس
(قوله): «فيتأول هذا ... إلخ» قال في شرح الفصول للسيد العلامة صلاح بن أحمد: وأنت خبير بأنه وإن أمكن تأويل قبض العلم ما أمكن تأويل رفعه بتأويل قريب. وحديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين في رواية أن يرفع العلم ويثبت الجهل، وحديث أنس الثابت فيهما أن يرفع العلم ويظهر الجهل، وحديث عبدالرحمن بن شماسة الثابت في صحيح مسلم لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، فهذه الأحاديث تقضي تجويز الخلو والوقوع، وقد يتأول بأن ذلك عند ارتفاع التكليف، وقيام الدلالة على عدم الخلو إنما هو مع بقاء التكليف، وقد حققه النووي، وفيه جمع بين الأدلة.
(١) ونصره الإمام عزالدين في شرح البحر.
(٢) قال بعضهم: والأولى في تأويله ما أفاده بعض العارفين أن المراد به عند اقتراب الساعة وكثرة الجهل وغلبة الأشرار.