[التقليد]
  سبيل إلى الأول بالضرورة، ولا إلى الثاني؛ لاحتياج النظر إلى الدليل، وحينئذ يكون المفيد لليقين ليس مجرد التقليد، بل مع الاستدلال.
  (ونفي النظر عن الصحابة نسبة لهم إلى الجهل بالله تعالى) هذا إشارة إلى شبهة المجوزين وجوابها، أما الشبهة فتقريرها: أن النظر لو وجب لكان الصحابة أولى به، ولو وقع منهم في العقليات والأصول لنقل إلينا كما نقل نظرهم في الاجتهاديات، فكان عدم نقله دليلاً على عدمه، فلا يكون واجباً.
  وأما الجواب فتقريره: أنا نلتزم أولوية الصحابة به، وأنه قد وقع منهم، وإلا كانوا جاهلين بالله تعالى وبصفاته(١)، وهو باطل بالإجماع، ولا نسلم دلالة عدم النقل على عدم الوقوع(٢)، فإن وضوح الأمر عندهم مع صفاء أذهانهم وعدم المحوج لهم إلى إكثار النظر لا يقتضي نقلاً، بخلاف من بعدهم لعدم مشاهدة الوحي، وكثرة الشبه التي لم تزل تحدث حيناً فحيناً، وأما الاجتهاديات فخفاؤها وتعارض أماراتها أحوج إلى كثرة النظر والبحث، فاقتضى(٣) النقل.
  (وعدم إلزامهم العوام به ممنوع) وهذه شبهة أخرى للمجوزين، حاصلها: أنه لو وجب لألزم الصحابة ¤ العوام به، واللازم باطل؛ فإن الأعرابي الجلف(٤) والأمة الخرساء يحكم بإسلامهما بمجرد الكلمتين، وحاصل الجواب:
(١) لكن لا يخفى منع هذه الملازمة؛ مسنداً بأنهم عرفوا الله بما وصف نفسه به في كتابه، وصدقوه في ذلك كما صدقوا بالرسالة، وحاصله منع استلزام انتفاء النظر لانتفاء المعرفة، مسنداً بأن انتفاء الدليل الخاص لا يستلزم انتفاء المدلول؛ لجواز دليل غيره هو ما ذكرنا أن[١] دلالة المعجزة على صدق من جاء بها ضرورية لا استدلالية. (جلال).
(٢) وإنما لم ينقل عنهم البحث لعدم استنادهم إلى غير القرآن، فاجتمعوا على القرآن لوضوحه وعدم المحوج حينئذ إلى النظر رأساً فضلاً عن الإكثار من البحث. (شرح جلال).
(٣) في (أ، ب): واقتضى. وفي المطبوع: واقتضاء.
(٤) الجلف: القشر، ويقال: أعرابي جلف أي: جاف، ويقال: الجلف الشاة المسلوخة بلا رأس ولا قوائم ولا بطن، ولذلك قيل للرجل الجافي: جلف، ووعاء الشيء جلفه. (شمس علوم).
[١] في المطبوع: ما ذكرنا لأن. والمثبت من شرح الجلال على المختصر.