هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في التزام المقلد لمذهب إمام واحد]

صفحة 649 - الجزء 3

[مسألة: في التزام المقلد لمذهب إمام واحد]

  (مسألة:) ذهب كثير من متأخري أصحابنا وغيرهم إلى أن (التزام مذهب) إمام واحد كالهادي (أولى) من عدم الالتزام (لإيجاب البعض له) أي: للالتزام


(قوله): «التزام مذهب إمام واحد ... إلخ» هذه المسألة اشتملت على بحثين: الأول: ذكر الخلاف في التزام مذهب إمام في جميع الأقوال هل يجب أو لا، اختار المؤلف # الوجوب، وأشار إلى القول بعدم الوجوب بقوله هنا: أو غير ملتزم، وبقوله فيما بعد: أو يكون المقلد غير ملتزم بأيها، البحث الثاني: أن الالتزام يثبت بما ثبت به التقليد كما صرح به # فيما يأتي بقوله: وبعده أي بعد التقليد والالتزام بأي هذه الوجوه على الخلاف فيها؛ بناء على اتحادهما عنده #، وبهذا قدر قوله: أو يكون ملتزما في كل قول من الأقوال الآتية، لكن لو قال المؤلف #: واختلف في كون من ثبت له التقليد يثبت له الالتزام أولا ... إلخ لكان أظهر؛ لإيهام العبارة أن المقلد بعد أن اتصف بالتقليد يصير ملتزما، وذلك غير مناسب للاتحاد بينهما، ويمكن أن يقال: معنى ويصير ملتزما أي يكون ملتزما. واعلم أن صاحب الفصول كما يأتي فرق بين التقليد والالتزام بأن الالتزام في كل المسائل والتقليد في بعضها، ثم إنه بعد أن ذكر الخلاف بما يثبت به التقليد قال: ويحرم انتقاله أي المقلد مطلقاً، فيرد عليه أنه حينئذ كالملتزم، وقد صرح بالفرق بينهما، ويجاب بأن الفرق بكون التقليد في البعض حاصل مع القول بتحريم الانتقال عن ذلك البعض؛ إذ لا منافاة، فلا يتوهم من قوله بتحريم الانتقال أنه لا يفرق بين الالتزام والتقليد، فإن قلت: هل المراد بما ذكره المؤلف # في هذا البحث أن من قلد مجتهداً في حكم أو أحكام فقد صار ملتزماً في سائر الأحكام أو يكون ملتزماً في ذلك الحكم وتلك الأحكام فقط؟ قلنا: كلام المؤلف في الثاني من هذه الأقوال والثالث والرابع يقضي بالأول، والذي في شرح الجمع ما يقضي بالثاني، أعني أنه قد صار ملتزماً في ذلك الحكم أو الأحكام فقط، وأما في غير ذلك فإنه يجوز له أن يستفتي فيه غير ما استفتاه أولا، قلت: وهو الذي في شرح الازهار حيث قال: وبعد الالتزام يحرم الانتقال عن ذلك المذهب في عين الحكم أو لأحكام المعينة، لا يقال: قد تقدم أن التقليد قبول قول الغير، وهو خارج عما سيأتي من الأقوال، فيلزم أن يثبت التقليد بلا التزام فلا اتحاد - لأنا نقول: ذكر في حواشي الفصول ما حاصله أن المراد بالقبول هو العمل عند القائل بأنه يصير ملتزما بالعمل، أو النية عند القائل بأنه يصير ملتزماً بها، وكذا يفسر القبول بما به يثبت الالتزام في سائر الأقوال الآتية، لا يقال: قد سبق للمؤلف # أن التقليد لازم لغير المجتهد، وقد ذكر ها هنا أن الالتزام أولى يعني ولا يلزم، فكيف التوفيق بين الكلام⁣[⁣١] مع القول باتحادهما؟ لأنا نقول: لعله أراد بالتقليد هنالك هو السؤال، فإنه هو اللازم للعامي وإلا لزم أن يباح للعامي ترك بعض الواجبات؛ إذ لا سبيل إلى معرفتها إلا بالسؤال، والله أعلم.

(قوله): «أولى من عدم الالتزام» إن أراد أولوية ندب كما قال في الأثمار: وندب الالتزام ففي الاستدلال على ذلك بأن الأكثرين بين قائل بالندب والوجوب تأمل⁣[⁣٢]؛ إذ القائل بالندبية لم يأخذ بمقالة من قال بالوجوب؛ لمنعه من ترك الالتزام، فالأولى الاستدلال بالأحوطية كما سيأتي عن شرح الأثمار.


[١] الفرق بين هذا وبين ما تقدم أن ما تقدم في التقليد في الجملة، وهاهنا في التزام مذهب إمام معين، وهو أوضح، والله أعلم. (أحمد بن إسحاق | ح).

[٢] في التأمل تأمل؛ إذ المراد عدم الخروج عن مقتضى القولين في العمل فقط، وهو معنى الأحوطية. (حسن بن يحيى ح).