[مسالة: في جهات الترجيح بحسب المتن]
  ومنها جهات للترجيح أشار إليها بقوله: (وهو) أي: المجاز يقدم (لرجحان دليله(١) أو شهرته أو قرب جهته(٢) أو شهرة مصححه أو قوته(٣) أو قربه على مثله) أي: في المجازية، يعني: إنه إذا تعارض لفظان مجازيان فللترجيح بينهما وجوه، منها: أن يكون دليل أحدهما أرجح من دليل الآخر، كأن يثبت أحدهما بنص الواضع أو بصحة النفي(٤) والآخر بعدم الاطراد أو بعدم صحة الاشتقاق؛ لكون الأخيرين من الأدلة الضعيفة على ما سبق.
  ومنها: شهرة أحد المجازين على الآخر، فإن الشهرة توجب الترجيح؛ لعدم افتقاره إلى القرينة حينئذ أو لقلة افتقاره إليها، فإن الشهرة تستلزم إما عدم الافتقار كما إذا كان مجازاً منقولاً(٥) أو قلة الافتقار إليها كما إذا قارب حد النقل
(قوله): «كما إذا كان مجازاً منقولا» في هذا تأمل؛ فإن المنقول إنما استغنى عن القرينة لمصيره بعد كثرة الاستعمال حقيقة، وأما في مبادئ نقله فهو مجاز بقرينة كما لا يخفى. وفي المنهاج والأشهر أولى من غير الأشهر وسواء كانا حقيقيين أم مجازين أم حقيقة ومجازاً والمجاز أشهر، فإنه لأجل الشهرة أرجح من الحقيقة؛ لأنه بالشهرة صار كالحقيقة، وصارت الحقيقة بالنسبة إلى المجاز الأشهر في منزلة المجاز؛ لسبق الذهن إلى المجاز المشهور دون الحقيقة، وأقرب ما يمثل به لفظ الرحمن فإنه في حق الباري تعالى مجاز، وفي حقنا حقيقة، لكن مجازيته أشهر؛ لأن استعماله في حق الباري أكثر. اهـ قلت: وكلام المنهاج يتم إذا لم نقل بأن لفظ الرحمن قد صار حقيقة دينية في حق الباري تعالى، والله أعلم.
(١) قال في المنهاج: قلت: وأقرب ما يمثل به قوله ÷: «توضأوا مما مسته النار»، فمجازه غسل اليدين والفم، وحقيقته الوضوء الكامل، فإذا عورض برواية: «لا توضأوا مما مسته النار» فمجازية الأول أقوى؛ لأن حمله على الحقيقة يستلزم مخالفة ما تواتر عنه ÷ من أنه صلى بعد ما أكل مما مسته النار ولم يحدث وضوءاً، بخلاف مجازية معارضه فدليلها أضعف؛ إذ حمله على الحقيقة لا يخالف متواتراً، بل آحادياً، وهو الوضوء مما مسته النار. وبما ذكرنا عرفت الفرق بين دليل المجاز ومصححه.
(٢) ومن أقرب ما يمثل به قوله ÷: «الخالة أم» فهو أقرب مجازاً مما لو قال: «الخالة جدة»؛ لتردد الجدة بين أم الأم وأم الأب، وملازمه الشبه بين الأم والخالة مستمر، بخلافها بينها وبين غيرها.
(٣) بأن يكون أحد المجازين مثلاً من باب إطلاق اسم الكل على الجزء والآخر بالعكس؛ إذ الأول أقوى، فإن الكل مستلزم للجزء، بخلاف العكس، كما لو قيل: من سرق قطعت يده، على من سرق لم تقطع أنامله. (رفواً).
(٤) كما يقال للبليد: ليس بحمار، وعدم الاطراد كنخلة للإنسان الطويل ولا تقال على غيره. وعدم صحة الاشتقاق نحو أمر مثلاً فإنه اشتق منه بمعنى القول إذ قيل: آمر ومأمور، ولم يشتق منه بمعنى الفعل.
(٥) في حاشية: يحقق الكلام في قوله: مجازاً منقولاً؛ إذ هو بعد النقل قد صار حقيقة. اهـ لعله قصد بقوله: منقولاً مشهوراً.