هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسالة: في جهات الترجيح بحسب المتن]

صفحة 673 - الجزء 3

  (و) منها: أن يقدم (غير المنقول شرعاً⁣(⁣١) ومؤكد الدلالة كل على مقابله) فمقابل الأول المنقول شرعاً، ومقابل الثاني غير المؤكد، أما الأول فلأن ما استعمله الشرع من غير تغيير للوضع⁣(⁣٢) اللغوي يكون العمل به أولى مما استعمله مع تغيير وضعه، ولأن في وجود اللفظ الشرعي المنقول وجواز استعماله خلافاً، بخلاف اللغوي المستعمل شرعاً في معناه اللغوي، وأما الثاني فوجه الترجيح فيه ظاهر، ولتأكيد الدلالة وجوه، أحدها: أن يكون أحد اللفظين دالاً على مطلوبه من وجهين أو أكثر⁣(⁣٣) والآخر لا يدل إلا من جهة واحدة،


(قوله): «وغير المنقول شرعاً ... إلخ» كما لو استعمل الشارع لفظ الصلاة والدعاء بمعناهما اللغوي وتعارضا فيه بأن اقتضى أحدهما نفيه والآخر إثباته، فإنه يقدم لفظ الدعاء على لفظ الصلاة؛ لأن الشارع قد نقلها إلى عبارة مخصوصة.


(١) وعبارة المعيار مع المنهاج للمهدي |: ويرجح اللفظ الذي استعمل في الشرع في معناه اللغوي على اللفظ الذي استعمل في الشرع في معناه الشرعي دون معناه اللغوي، وأقرب ما يمثل به قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}⁣[التوبة: ١٠٣]، فإن الشرع استعمل لفظ الصلاة في معناه اللغوي، فلو قدرنا أنه عارضه: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ}⁣[التوبة: ٨٤]، فإن الشرع استعمل لفظ الصلاة في معناه الشرعي، فيرجح الأول لتطابق اللغة والشرع فيه، بخلاف الآخر، وهذا بخلاف اللفظ المنفرد عن المعارض، أي: اللفظ المفرد الذي له معنى هو حقيقة فيه، واستعاره الشارع لمعنى آخر فصار حقيقة شرعية، فإنه إذا أطلق وجب تنزيله على المعنى الطارئ، وهو الشرعي دون اللغوي؛ لأنه صار فيه حقيقة وصار في المعنى اللغوي كالمجاز، فكما ترجح الحقيقة على المجاز فكذلك هذا، مثاله: أقم الصلاة، فإن حمله على الحقيقة الشرعية، وهي الصلاة الشرعية أرجح. اهـ بزيادة يسيرة مفيدة.

(٢) مثله بعضهم باستعمال المؤمن بمعنى المصدق، وما تغير وضعه كاستعماله بمعنى المصدق العامل.

(٣) وأقرب ما يمثل به قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٩٠}⁣[المائدة]، فإنها تدل على تحريم الخمر من جهات، وهي كونها رجساً، ومن عمل الشيطان، وقوله: «فاجتنبوه»، والذي يعارضها قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ..} الآية [المائدة: ٩٣]، فإنها تدل على تحليلها من جهة واحدة، وهي رفع الجناح. اهـ قلت: وهذا مجرد مثال، وإلا فلا معارضة بينهما؛ إذ المراد بالآية الثانية رفع الجناح عن الذين آمنوا فيما طعموه قبل التحريم، ويدل على ذلك سبب النزول المذكور في الكشاف وغيره.