[مسالة: في جهات الترجيح بحسب المتن]
  (و) منها: (انتفاء العبث على غيره)(١) فإذا تعارض إيماءان - وقد عرفت أن الإيماء اقتران وصف بحكم لو لم يكن لتعليله لكان بعيداً - فالبعد إذا بلغ إلى لزوم العبث والحشو كان تنزيه كلام الشارع منه أولى مما إذا لم يلزم منه إلا الإعراض عن السائل أو كون ما يترتب عليه الحكم غير علة، إلى غير ذلك مما سبق.
  (و) منها: (الاقتضاء فالإيماء فالإشارة فالمفهوم الموافق(٢) فالمخالف)(٣) فهذه مراتب للترجيح، أما الأولى فلأن نفي الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية أبعد من انتفاء قصد هذه الأمور، وأما الثانية فقدمت على الثالثة
(قوله): «قصد هذه الأمور» وهي الإيماء والإشارة وما يدل عليه بمفهوم الموافقة والمخالفة.
(١) من أقسام الإيماء، مثل قوله ÷: «أعتق رقبة» لمن قال: واقعت أهلي في نهار رمضان، مع ما لو قال للمواقع في نهار رمضان: لا تعتق رقبة، وكما لو قال: لا يعتق الصائم رقبة وهو مواقع، وذلك لأن الأول لو لم يحمل على التعليل لزم العبث، وهو الاشتغال بما هو غير مقصود، أو الحشو، وهو إيراد ما هو غير مقصود، وكلاهما منتف عن كلام الشارع، بخلاف سائر أقسام الإيماء فإنها ليست بمتعينة لإفادة التعليل، وإذا ثبت أن الأول مفيد للتعليل بخلاف غيره فهو أرجح من غيره؛ لأن الحكم مع العلة أدعى إلى القبول، وأدعى إلى الانقياد له. (من الرفو وشرح الجلال).
(٢) وهذه ثلاثة ترجيحات، أما الأول فلأنه يدل بقصد المتكلم، بخلاف دلالة الإشارة، مثاله ما لو قيل: من أصبح في رمضان جنباً فعليه قضاء ذلك اليوم، مع قوله عز من قائل: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}[البقرة: ١٨٧]، فإن الأول يقتضي أن المباشرة في بعض أجزاء الليل غير جائزة، وذلك قدر زمان الاغتسال، والثاني يدل على أنها جائزة إلى الفجر. وأما الترجيح الثاني - وهو ترجيح دلالة الاقتضاء على الإيماء - فلتوقف صدق المتكلم أو الصحة العقلية أو الشرعية في دلالة الاقتضاء عليها بخلاف الإيماء، مثاله: رفع عن أمتي السرقة، ثم قيل: السارق تقطع يده. وأما الثالث - وهو ترجيح دلالة الاقتضاء على دلالة المفهوم - فلوقوع الاتفاق على دلالة الاقتضاء[١] والخلاف في المفهوم، مثاله ما لو قيل: أقم الحد على والديك، مع قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء: ٢٣]. (رفواً). وقد تبين أن هذه الأمثلة المنقولة عن الرفو إنما هي في ترجيح دلالة الاقتضاء على ما عداها وكلام المؤلف # في ترجيح كل منها على ما بعده كما هو ظاهر كلامه، فاعرف هذا.
(٣) على الصحيح؛ لاتفاق الأكثر على دلالة الموافقة، بخلاف المخالفة، مثاله لا تقل لهما أف، مع ما لو قيل: لا تقتلهما ما لم يقصدا قتلك. وبعضهم يعكس قضية الترجيح ذاهباً إلى أن مفهوم الخلاف فائدته التأسيس، ومفهوم الوفاق فائدته التأكيد، والتأسيس أولى من التأكيد. (رفواً).
[١] في المطبوع: على دلالة الاتفاق. والمثبت من الرفو.