هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في جهات الترجيح بحسب أمر خارج]

صفحة 688 - الجزء 3

  وكذا إذا كان أحدهما أمس بالمقصود وأقرب إليه من الآخر مثل قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}⁣[النساء: ٢٣] يدل بعمومه على تحريم الوطء بملك اليمين، وقوله: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}⁣[النساء: ٣٦] يدل بعمومه على تحليله، فالآية الأولى أمس بالمقصود - وهو بيان حكم الجمع - من الثانية؛ لأنه لم يقصد بها بيان حكم الجمع، وأما ما روي من أن علياً ¥ قال: «أحلتهما آية وحرمتهما آية» ورجح التحريم، وعثمان التحليل - فهو راجع إلى ما تقدم من ترجيح الحظر أو الإباحة على ما سبق من الخلاف.

  وهكذا إذا كان أحدهما مفسراً من جهة الراوي بقول منه أو فعل دون الآخر فإنه يقدم المفسر؛ لأن الراوي أعلم بمعنى الخبر⁣(⁣١)، فيكون ظن الحكم به أقوى، وهذا حيث كان التفسير لائقاً باللفظ، مثاله حديث ابن عمر: «المتبايعان بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا⁣(⁣٢)» والتفرق محمول على التفرق بالبدن والتفرق بالقول، وقد روي أن ابن عمر كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى قليلاً ثم رجع، وأصحابنا⁣(⁣٣) يرجحون خلافه موافقة لإطلاق الآيات مثل قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}⁣[المائدة: ١]، {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}⁣[النساء: ٢٩]، والتجارة هي البيع والشراء، وقد حصلا بالعقد عن تراض، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}⁣[البقرة: ٢٨٢]، والأمر بالإشهاد للتوثقة في العقد، وإثبات الخيار بعده ينافيها.

  وهكذا المتأخر بقرينة نحو أن يكون مؤرخاً بتاريخ مضيق أو متضمناً للتشديد⁣(⁣٤) دون الآخر كما تقدم⁣(⁣٥) أو غير ذلك من القرائن، نحو: حديث جابر


(١) هكذا اشتهر هذا القول بين العلماء، وبنوا عليه في مواضع الاستنباط، ولا أدري كيف يتم مع قوله ÷: «قرب حامل فقه غير فقيه، ورب مبلغ أوعى من سامع» وقد ذكر قريباً من هذا البدر الأمير | في شرح هذا الحديث فليراجع.

(٢) في نسخة: يفترقا.

(٣) يعني: الأكثر منهم، وإلا فالأمير الحسين وغيره يقولون: إن الفرقة فرقة أبدان.

(٤) لقرينة كون التشديدات متأخرة في التشريع.

(٥) في طرق النسخ في شرح قوله: ويعرف بعلم تأخره أو ظنه.