[أحكام القضايا]
  أما الأول فلأن العلم بوضع تاليها حاصل قبل العلم بوضع المقدم، ولأن العلم بصدق الاتفاقية مستفاد من العلم بصدق التالي، فلو استفيد العلم به من العلم بها لزم الدور(١).
  وأما الثاني فلأنه لا اتصال بين نقيضي(٢) طرفي الاتفاقية لا باللزوم ولا بالاتفاق، أما في الاتفاقية الخاصة - وهي التي يكون صدق التالي فيها على تقدير صدق المقدم بمجرد توافق الجزئين على الصدق - فظاهر؛ لصدق الجزئين، فلا يكون بين نقيضيهما اتفاق؛ لكذبهما، ولا لزوم؛ لعدم العلاقة(٣).
(قوله): «حاصل قبل العلم بوضع المقدم» نحو: إن كان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق، فالعلم بالناهقية حاصل قبل العلم بالناطقية، وهو ظاهر؛ إذ لو لم يعلم وضع التالي وثبوته لم يحصل الاتفاق ولم يصدق؛ إذ الكاذب لا يوافق شيئاً.
(قوله): «مستفاد من العلم بصدق التالي» هذا مستقيم في الاتفاقية العامة، وهي التي حكم فيها بصدق التالي على تقدير صدق المقدم لمجرد صدق التالي؛ لأن صدقها حينئذ يكون عن مقدم وتال صادقين وعن مقدم كاذب وتال صادق، وأما الاتفاقية الخاصة فلا؛ لأنه اعتبر فيها توافق الجزئين على الصدق، فلا تكون صادقة إلا عن مقدم وتال صادقين.
(قوله): «فلو استفيد العلم به» أي: بصدق التالي «من العلم بالاتفاقية لزم الدور»، هكذا في شرح الشمسية.
(قوله): «وأما الثاني» وهو قوله: ولا رفع تاليها رفع المقدم.
(قوله): «فلأنه لا اتصال بين نقيضي طرفي الاتفاقية» يعني فلا يلزم من رفع تاليها رفع المقدم.
(قوله): «أما في الاتفاقية الخاصة إلى قوله: بمجرد توافق الجزئين على الصدق، فهي أخص من الاتفاقية العامة؛ لأنه متى صدق الجزآن - أعني المقدم والتالي - فقد صدق التالي، ولا ينعكس، أعني لا يلزمه أنه متى صدق التالي صدق المقدم.
(قوله): «لكذبهما[١]» وقد عرفت أنها تكذب عن كاذبتين.
(١) كذا ذكره القطب، وفي المرآة: ضرورة توقف صدق الاتفاقية على صدق كلا طرفيها.
(٢) وهما عدم الناطقية وعدم الناهقية.
(٣) قوله: «لعدم العلاقة» والمراد بالعلاقة شيء بسببه يستصحب الأول الثاني كالعلية أو التضايف، أما العلية فبأن يكون المقدم علة للتالي كقولنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، أو معلولاً له كقولنا: إن كان النهار موجوداً كانت الشمس طالعة، أو يكونا معلولي علة واحدة كقولنا: إن كان النهار موجوداً فالعالم مضيء، فإن وجود النهار وإضاءة العالم معلولان لطلوع الشمس. وأما التضايف فبأن يكونا متضايفين كقولنا: إن كان زيد أباً لعمرو كان عمرو ابنه. (قطب).
[١] مشكل عليه في بعض النسخ، وعليه ما لفظه: عبارة المؤلف: لكذبهما، أي: النقيضين، فلا يخلو كلام القاضي عن سهو من جهة التقديم والتأخير ومن جهة حمل كذبهما على ما ترى فتأمل. (من أنظار القاضي أحمد بن صالح أبي الرجال. ح عن خط شيخه). وينظر، فالظاهر صحة كلامه. (ح).