[أحكام القضايا]
  وأما في الاتفاقية العامة - وهي التي حكم فيها بصدق التالي على تقدير صدق المقدم لا لعلاقة، بل لمجرد صدق التالي، وهي أعم مطلقاً(١) من الأولى؛ إذ لا حاجة فيها إلى صدق المقدم - كقولنا إن كان هذا الخلاء موجوداً(٢) فالإنسان ناطق فلجواز صدق طرفيها(٣)، فلا يلزم من صدق المتصلة الاتفاقية مع كذب تاليها كذب مقدمها، مع أن كذب التالي ينافي صدق الاتفاقية(٤).
  وكذلك المنفصلة(٥) الاتفاقية لم ينتج وضعُ أحد طرفيها ولا رفعُه؛ لأن
(قوله): «بل لمجرد صدق التالي» يعني وإن كذب المقدم، وأما العكس - أعني مجرد صدق المقدم مع كذب الثاني - فلا؛ لأن الاتفاقية حينئذ تكون كاذبة كما يأتي؛ إذ الكاذب لا يوافق شيئاًًً. قال في شرح الشمسية في بيان أقسام الصادق والكاذب في الاتفاقية ما حاصله: إذا اكتفينا بمجرد صدق التالي كما في الاتفاقية العامة يكون صدق الاتفاقية عن صادقتين وعن مقدم كاذب وتال صادق، وكذبها عن القسمين الباقيين، وإن اشترطنا صدق المقدم والتالي كما في الاتفاقية الخاصة فصدقهما عن صادقتين نحو: إن كان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق، وكذبها عن ثلاثة أقسام؛ لأن طرفيها إن كانا كاذبين أو كان التالي كاذباً والمقدم صادقاً فكذبها ظاهر؛ لأن الكاذب لا يوافق شيئاً، وإن كان المقدم كاذباً والتالي صادقاً فكذلك؛ لاعتبار صدق الطرفين فيها.
(قوله): «إذ لا حاجة فيها إلى صدق المقدم» فبينهما عموم وخصوص.
(قوله): «فلجواز صدق طرفيها» أي: كل منهما على انفراده، وهذا جواب قوله: وأما الاتفاقية العامة، يعني أنها وإن كفى في صدقها مجرد صدق التالي فذلك لا يمنع عن جواز صدق الطرفين، أعني المقدم والتالي، وإذا جاز صدقهما لم يلزم من صدقهما مع كذب تاليها كذب مقدمها، فلا ينتج رفع تاليها رفع المقدم، ولعل هذا من المؤلف # على سبيل الفرض، أي: لو فرض صدق الاتفاقية المتصلة مع كذب التالي لم يلزم منه كذب المقدم؛ لجواز صدقهما جميعاً، وذلك أنك قد عرفت من كلام شرح الشمسية أن الاتفاقية تكذب لكذب التالي، فلو لم يحمل كلام المؤلف على أنه على سبيل الفرض لنافى قوله: مع أن كذب التالي ينافي صدق الاتفاقية.
(قوله): «وكذلك المنفصلة الاتفاقية» وهي التي حكم فيها بالتنافي لا لذات الجزئين، بل لمجرد اتفاق المنافاة بينهما وإن لم تكن المنافاة لمفهومهما، كقولنا في الأسود واللاكاتب: إما أن يكون هذا أسود أو كاتباً حقيقية، وذلك لاتفاق تحقق السواد وانتفاء الكتابة، فلا يصدقان لانتفاء الكتابة ولا يكذبان لوجود السواد. ومثال مانعة الجمع ومانعة الخلو مذكور في البسائط.
(قوله): «لم ينتج وضع أحد طرفيها» بمعنى صدق كل واحد منهما على انفراده.
(قوله): «ولا رفعه» أي: رفع كل واحد منهما على انفراده، فلا ينتج وضع المقدم عن رفع التالي، ولا رفعه عن وضعه، إلى آخر ما سبق من النتائج الأربع في الحقيقية، والمؤلف قد شملت عبارته جميع أقسام المنفصلة الاتفاقية، وهي الحقيقية ومانعة الجمع ومانعة الخلو.
(١) فإنه متى صدق المقدم والتالي فقد صدق التالي ولا ينعكس. (قطب).
(٢) والخلاء معدوم دائماً.
(٣) فلا يكون بين نقيضيهما اتفاق لكذبهما كما مر.
(٤) في حاشية ما لفظه: إذ لا تسمى اتفاقية إلا بالصدق.
(٥) قوله: «وكذلك المنفصلة الاتفاقية» عطف على قوله: لأن المتصلة.