فصل: [في الكلام في الوضع والواضع وطريق معرفة اللغات]
  بين اللفظ والمعنى من المناسبة(١).
  وإذ(٢) قد تقرر أن دلالة اللفظ بوضع واضع فقد وقع الخلاف في تعيين الواضع على أربعة مذاهب:
  أولها وهو اختيار الإمام يحيى # وابن أبي الخير والقاضي أبي بكر الباقلاني: الجميع من الأقوال الآتية ممكن، وأدلتها لا يفيد شيء منها القطع(٣) فوجب التوقف، وهو ما أشار إليه بقوله: (ولم يثبت تعيين الواضع لبطلان أدلته) كما ستعرفه.
(قوله): «لا يفيد شيء منها القطع» إشارة إلى أن المسألة - كما ذكره الشريف - علمية فالمطلوب فيها القطع، لا عملية فيكتفى فيها بالظن، قال: وإن مال إليه الآمدي، قال الشريف: وقد يؤيد بأن مباحث الألفاظ قد يكتفى فيها بالظواهر وليس المطلوب فيها تحصيل الجزم والقطع، وإلا لم يثبت المطلوب في أكثر المسائل.
(قوله): «فوجب التوقف» أي: عن القطع كما هو الظاهر من السياق وصرح به السعد حيث قال: التوقف إنما هو عن القطع بأحد المذاهب؛ لعدم إفادة الأدلة القطع، وأما إذا أريد الظهور والرجحان فانتفاء الأدلة القطعية لا يوجب التوقف؛ لجواز أن توجد أدلة ظنية. قلت: فقول المؤلف في المتن: «ولم يثبت تعيين الواضع لبطلان أدلته» لا يوافق هذا؛ إذ مقتضى بطلان الأدلة عدم إفادتها القطع والظن معاً لا التوقف عن القطع. ولعله يقال: معنى قوله: «ولم يثبت تعيين الواضع» أي: لم يثبت القطع لتعيينه، فحينئذ يكون التوقف عن القطع، ويكون المراد ببطلان الأدلة بطلان أدلة القطع، لكن تزييف المؤلف # للأدلة كلها كما سيأتي يشعر بأن المراد بطلانها عن إفادة القطع والظن فينظر. والذي في شرح المختصر: وقال القاضي: الجميع ممكن [عقلاً][١] وشيء من أدلة المذاهب لا يفيد القطع فوجب التوقف، قال: وهذا هو الصحيح، ثم ذكر أن النزاع إن كان في الظهور فالظاهر قول الأشعري، ثم استدل ابن الحاجب لذلك بما ذكره المؤلف # من تعليم آدم #، واستيفاء البحث يؤخذ من محله إن شاء الله تعالى.
(١) وقيل: أراد أنها كافية في دلالة اللفظ على المعنى فلا يحتاج إلى الوضع، يدرك ذلك من خصه الله [به][٢] كالقافة ويعرفه غيره منه، حكي أن بعضهم كان يدعي أنه يعلم المسميات من الأسماء فقيل له: ما مسمى اسم اضغاغ من لغة البربر[٣]؟ فقال: أجد فيه يبساً شديداً وأراه اسم الحجر، وهو كذلك، قاله الأصفهاني. والثاني هو الصحيح عن عباد. (شرح اللب للقاضي زكريا على كتابه غاية الوصول).
(٢) في (ب، ج): وإذا.
(٣) إذ كل هذه المذاهب ظنية، قال عضد الدين: وهذا هو الصحيح، قال الشيخ لطف الله: يفهم من كلامهم أن المقصود في هذه المسألة القطع، قال الجرجاني: المسألة علمية فالمطلوب فيها القطع، لا عملية فيكفي فيها الظن.
[١] ما بين المعقوفين من شرح المختصر.
[٢] ما بين المعقوفين من غاية الوصول، وفيه: كما في القافة.
[٣] في غاية الوصول: ما مسمى آدغاغ، وهو من لغة البربر.