هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان أقسام للألفاظ تتمايز بتمايز معانيها

صفحة 347 - الجزء 1

  فإن قلت: الفعل⁣(⁣١) يدل على معان ثلاثة: الحدث والزمان ونسبة مخصوصة للحدث إلى فاعل معين⁣(⁣٢)، وهو وحده يدل على الجزئين الأولين لا الثالث، وإذا لم يكن وحده دالاً على النسبة التي هي جزء معناه لزم عدم استلزام التضمن المطابقة.

  قلنا: يمكن أن يجاب بأن النسبة المخصوصة تفهم من الفعل إجمالاً كما تفهم


(قوله): «ونسبة مخصوصة للحدث إلى فاعل معين ... إلخ» توضيح هذا السؤال أن يقال: الفعل له معنى مطابقي وتضمني، فمعناه المطابقي مجموع أمور ثلاثة: الحدث والزمان ونسبة ذلك الحدث إلى فاعل معين، ولا شك أنه يفهم من ضرب مثلاً الحدث والزمان لا المجموع المطابقي؛ إذ لا تفهم النسبة إلى فاعل معين إلا بذكره، فلا يفهم المعنى المطابقي حينئذ، فقد وجد التضمن بدون المطابقة، فكيف يتم ما اتفقوا عليه من أن التضمن لا يوجد بدون المطابقة؟

قال عصام الدين: وهذا السؤل مما تحير فيه العقلاء قرناً بعد قرن. وإنما قال #: (إلى فاعل معين) اعتماداً على ما ذكره الشريف في حواشي شرح المختصر وحواشي شرح الرسالة الوضعية وتبعه شارحها أيضاً من أن جزء مدلول الفعل هو النسبة المخصوصة إلى فاعل معين.

قال: لأن النسبة الحكمية التي تضمنها الفعل لو كانت متعلقة بفاعل لا بعينه - ولا شك أنه مفهوم عند إطلاقه - لكان ضرب مثلاً وحده كلاماً محتملاً للصدق والكذب وأنه باطل اتفاقاً.

إذا عرفت ذلك فورود هذا السؤال مبني على ذلك لا على ما اشتهر من أن جزء الفعل هو النسبة إلى فاعل ما؛ وذلك لأن الفعل مستقل بالدلالة على النسبة المطلقة فلا إشكال؛ فلذا قال السعد في الحواشي في بحث الحروف: فلم يكن بد في دلالة الحروف على معانيها من ذكر متعلق به تتعين النسبة المخصوصة، بخلاف الفعل فإنه لنسبة الحدث إلى موضوع ما. فدل قوله: بخلاف الفعل ... إلخ على استقلاله بالدلالة على ذلك، وكذلك عصام الدين في حاشيته على الجامي صرح بذلك حيث قال: اختلف في أن معنى الفعل النسبة إلى فاعل ما أو إلى فاعل معين، ولا شك أن النسبة على الثاني معنى حرفي لا يفهم ما لم ينضم إلى الفعل ذكر الفاعل، وعلى الأول معنى يتعقل بتعقل فاعل ما إجمالاً، وهو يفهم بذكر الفعل من غير ذكره، فيكون معنى مستقلاً.

وأما الجامي فإنه أشعر كلامه في حد الفعل بأن النسبة إلى فاعل ما أيضاً معنى غير مستقل بالمفهومية، لكن قد اعترضه عصام الدين فخذه من موضعه.


(١) يعني مع الفاعل، وقد ظنن في نسخة بلفظ: والفاعل.

(٢) المعروف فاعل ما لا معين. اهـ وكأنه بنى على أحد القولين، فإنه اختلف في أن معنى الفعل النسبة إلى فاعل ما أو فاعل معين.