هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان أقسام للألفاظ تتمايز بتمايز معانيها

صفحة 348 - الجزء 1

  معاني الأسماء الموضوعة بإزائها وضعاً عاماً. وبه يندفع ورود هذا الإشكال على


(قوله): «قلنا: يمكن أن يجاب بأن النسبة المخصوصة تفهم من الفعل إجمالاً كما تفهم معاني الأسماء الموضوعة بإزائها وضعاً عاماً» تقرير ما ذكره # أن الفعل وحده تفهم منه النسبة إلى فاعل ما، فبواسطة فهم هذه النسبة تفهم النسبة المخصوصة إجمالاً: لكونها جزئياً من جزئيات النسبة المطلقة، فقد دل الفعل بنفسه على معناه المطابقي، وهو الحدث والزمان والنسبة وفهمت منه النسبة المخصوصة إجمالاً، فلم ينفك التضمن عن المطابقة، فقوله: (وضعاً عاماً) إشارة إلى ما سيأتي في فصل الحروف من أن الوضع قد يكون عاماً، وهو قسمان: إما أن يكون الموضوع له خاصاً كوضع أسماء الإشارة، أو يكون الموضوع له عاماً كأسماء الأجناس كحيوان عند بعضهم في كون وضعها عاماً، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان وجه التسمية بالوضع العام وبالموضوع الخاص والعام. فالمؤلف # قصد أن النسبة المخصوصة في فهمها من الفعل إجمالاً تشبه معاني أسماء الأجناس الموضوعة بإزائها وضعاً عاماً في فهم معانيها إجمالاً، لا أن الأفعال تشبهها في أنها موضوعة بوضع عام كأسماء الأجناس، وكأنه أراد بمعاني الأسماء جزئياتها؛ إذ لو أريد بمعانيها حقائقها التي هي من هيئاتها كما هو الظاهر لم يستقم تشبيه النسبة المخصوصة في فهمها إجمالاً بماهية أسماء الأجناس؛ لأن ماهياتها مفهومة من الأسماء فهماً تفصيلاً لا إجمالاً. هذا غاية ما يتكلف في توجيه المقام، ولا يخلو عن إشكال؛ ولذا صدر المؤلف هذا الجواب بالإمكان حيث قال: ويمكن؛ لأن الفعل لو كان موضوعاً للنسبة المطلقة لزم أن يكون استعماله مجازاً؛ لأنه في جميع موارده لا يراد به إلا النسبة المخصوصة، ويلزم أن يفتقر في دلالته عليها إلى قرينة ويعود الإشكال. وإنما قلنا: إن استعماله في النسبة المخصوصة مجاز؛ لأنهم قد صرحوا بأن إطلاق الأعم وإرادة الأخص لخصوصه لا من حيث صدق الأعم عليه مجاز، ولأن الفعل إذا كان موضوعاً⁣[⁣١] للنسبة المطلقة فإما أن لا يكون موضوعاً للنسبة المخصوصة وهو خلاف مبنى الجواب عند المؤلف #، أو يكون موضوعاً لهما كان دالاً عليهما في حالة واحدة، وفيه ما ذكره الشريف من لزوم كون الفعل وحده كلاماً مستقلاً مع لزوم ركة في المعنى؛ فإن في نسبة الفعل إلى فاعل ما وإلى فاعل معين في إطلاق واحد ما لا يخفى من الركة. ولما ذكرنا من الإشكال وعدم انتهاض هذا الجواب اختار الفاضل الهروي في شرح الرسالة الوضعية وكذا المحقق اليزدي في شرح الشمسية في بحث المتواطئ والمشكك أن معنى الفعل التضمني والمطابقي غير مستقل بالمفهومية، بل يحتاج في الدلالة عليهما إلى الغير؛ أما النسبة المخصوصة فلأن حالها كحال النسبة التي هي مدلول الحرف في عدم الاستقلال بالمفهومية وأنها لا تتعين إلا بانضمام الغير، ولهذا وجب الفاعل. قالوا: فقول النحويين: الفاعل لا يجوز حذفه ليس مبنياً على مراعاة جانب اللفظ الصرف، بل تعقل معنى الفعل يتوقف على ذكر الفاعل، وأما الحدث فهو وإن كان مستقلاً إلا أنه اعتبر في مفهومه أي الفعل من حيث إنه منتسب إلى الفاعل، وأما الزمان فلأنه اعتبر في معنى الفعل على أنه قيد للحدث، والحدث الكائن في الزمان المخصوص اعتبر من حيث إنه منتسب إلى الغير، فهو أيضاً لا يصلح أن يكون مسنداً أو مسند إليه.

(قوله): «وبه» أي: وبهذا الجواب «يندفع ورود هذا الإشكال ... إلخ» بيان الإشكال: أنهم لما عرفوا الفعل ما دل على معنى في نفسه ... إلخ ورد عليهم أن المتبادر من المعنى هو المطابقي، والمعنى المطابقي للفعل هو الحدث والزمان والنسبة المخصوصة إلى فاعل معين، وهذه النسبة لا يدل عليها الفعل بمجرده كما عرفت، فلا يستقل الفعل بالدلالة على المعنى المطابقي؛ لأن النسبة جزؤه، فقيد بنفسه في تعريف الفعل غير صحيح =


[١] عطف على: لأن الفعل لو كان موضوعاً. اهـ منه ح.