فصل: في بيان أقسام للألفاظ تتمايز بتمايز معانيها
  والثاني: قوله: (وإلا) يحتمل الصدق والكذب (فإنشاء) فالإنشاء لفظ مركب تام لا يحتمل الصدق والكذب، وهو ينقسم إلى قسمين: الأول: (طلبي) وهو إنشاء دل على طلب فعل أو ترك دلالة أولية، فإن دل مع الاستعلاء فهو أمر إن كان المطلوب فعلاً، ونهي إن كان تركاً، وإلا فهو مع التساوي التماس، ومع الخضوع سؤال ودعاء.
  وتقييد الدلالة بالأولية للتفرقة(١) بين الأوامر والنواهي والأخبار الدالة على طلب الفعل أو الترك(٢)، فإن قولنا: أطلب منك الفعل أو الترك لا يدل أولاً وبالذات على طلب الفعل أو الترك، بل على الإخبار بالطلب، والإخبار بالطلب دال على الطلب، فدلالته على الطلب بواسطة دلالته على الإخبار به.
(قوله): «طلب فعل» أي: طلب المتكلم فعلاً عن المخاطب أو الغائب أو المتكلم؛ ليشمل نحو اضرب وليضرب ولأضرب، هكذا ذكره بعض المحققين من شراح الشمسية.
(قوله): «أو ترك» هذا مبني على أن الترك ليس بفعل كما اختاره المؤلف في أول بحث الأمر، ومبني أيضاً على أن المكلف به في النهي نفي الفعل كما سيأتي ذلك عن أبي هاشم وجمهور المعتزلة ورجحه المؤلف كما في بحث المكلف به؛ إذ لو كان الترك فعلاً أو كان المكلف به في النهي فعلاً هو كف النفس عن الفعل لاقتصر على قوله طلب فعل كما اقتصر عليه صاحب الشمسية حيث قال: فإن دل على طلب الفعل دلالة وضعية ... إلخ.
(قوله): «فإن دل مع الاستعلاء فهو أمر ... إلخ» ظاهره دخول أمر الندب في الاستعلاء، وسيأتي تحقيق الكلام في الأحكام في بحث هل المندوب مأمور به أم لا.
(١) وحينئذ ليس هو بإنشاء، ولهذا أشار المؤلف بقوله: للتفرقة، وقال فيما تناوله الإنشاء: ولإخراج غير الطلبي.
(٢) اعترض عليه بأن الكلام في أقسام[١] الإنشاء فلا تكون تلك الأخبار داخلة في مورد القسمة، فكيف تخرج بتقييد الدلالة بالوضع؟ لأنه قال في شرح الشمسية: دلالة وضعية. ويمكن أن يجاب عنه بأن المراد الاحتراز عن تلك الأخبار إذا استعملت في طلب الفعل بطريق الإنشاء على سبيل المجاز، فتكون داخلة في الإنشاء، لكن دلالتها على المعنى الإنشائي مجازية فلا تعد أمراً؛ لأن ألفاظها في الأصل أخبار وإن كان معانيها في هذا الاستعمال طلباً. (حاشية الشريف على القطب).
[١] في حاشية الشريف: تقسيم.