[ذكر سبب التأليف]
  معجزاته بدوام الأبد: لما كانت الحاجة إلى علم أصول الفقه شديدة، وموجبات العناية به عديدة؛ لابتناء الأحكام الشرعية عليه، واستناد المجتهدين في استنباطها إليه، وكان علماً أصلياً لا ينتفع به إلا إذا عرفت وجوه مسائله
(قوله): «ما دام أعظم معجزاته» معنى «ما دام» هنا توقيت الصلاة والسلام بمدة ثبوت الخبر، وهو بدوام الأبد لأعظم معجزاته. ولعل معنى ثبوت الدوام له كونه ظرفاً له، فالباء للملابسة، قال في الصحاح: الأبد: الدهر.
(قوله): «لما كانت الحاجة ... إلخ»: مقول القول.
(قوله): «لابتناء الأحكام» بالباء الموحدة من أسفل ثم مثناة من أعلى، وهو علة للحاجة إلى هذا العلم.
(قوله): «استناد المجتهدين» علة لكون موجبات العناية به عديدة، ويحتمل أن يكون الأول علة لمجموعهما، والثاني للثاني فقط.
(قوله): «في استنباطها» أنبط الركية واستنبطها وتنبطها: أماهها، وكل ما أظهر بعد خفاء فقد نبط واستنبط، كذا في القاموس.
(قوله): «وكان علماً أصلياً» عطف على كانت الحاجة. وقوله: «لا ينتفع به ... إلخ» بيان لما قبله؛ إذ لا يظهر كونه علة لجمعه # المختصر إلا بهذا البيان؛ إذ لا تقليد في الأصول[١]، فلا ينتفع به ما لم تبن أدلته. وحاصل كلام المؤلف من قوله: لما كانت الحاجة ... إلخ هو بيان أن الحامل شدة الحاجة وكون كتب الأصحاب غير وافية بما لا بد منه في هذا العلم، أو وافية لكن فيها مانع التطويل، وكتابه جامع بين الوفاء والخلو عن التطويل.
(قوله): «وجوه مسائله» إن أريد بالوجوه العلل والأدلة لم ينتظم[٢] معه قوله: «بعيون أدلتها» كما لا يخفى، وكذا إن جعل الكلام استعارة بالكناية[٣] وإثبات الوجوه تخييلاً؛ لأن الوجوه على حقيقتها فلا ينتظم مع ذلك قوله: بعيون أدلتها، اللهم إلا أن يكون تجريداً[٤]. ولعله يقال: وجوه المسائل هي المسائل نفسها، فتكون الإضافة هنا كما في وجه الرأي، قال في الصحاح: وجه الرأي: هو الرأي نفسه.
[١] قوله: «إذ لا تقليد في الأصول» يفهم من هذا أنه حمل قوله: «علماً أصلياً» على معنى أنه علم أصولي ولم يحمله على ما يقابل الآلي، أي: أن يكون مقصوداً لذاته لا آلة لحصول غيره، لكن إرادة الأصولي من لفظ الأصلي فيه نبوة؛ إذ صريح النسبة فيه إلى الأصل لا إلى الأصول. وفي كونه أصلياً لا آلياً نظر؛ لأنه آلة للاستنباط، فهو علم آلي كما ستأتي الإشارة إليه، وعلى فرض أنه علم أصلي لا آلي لا تظهر عليته لاحتياجه إلى ذكر أدلته وعدم التقليد فيه؛ إذ غيره من العلوم المقصودة لذاتها ليست بهذه المثابة كفروع الدين إذا قلنا: إنه علم عملي غير آلي، والتعليل بأنه لا تقليد في الأصول على إرادة كونه أصولياً من قوله: «أصلياً» تعليل الشيء بنفسه. (ح ن).
أقول: لا منافاة بين كونه أصلياً وآلياً، فإن المراد هاهنا أنه منسوب إلى الأصل الذي هو القاعدة والضابط أعم من أن يكون هذا العلم أو غيره، فهو من نسبة الأخص إلى الأعم، فهو علم بقواعد هي آلة لغيرها مثل الأمر للوجوب مثلاً ونحو ذلك والله أعلم. اهـ سيدي علي بن إبراهيم بن عامر حماه الله. (ح).
[٢] قوله: «لم ينتظم ... إلخ»: لأنه يصير المعنى: إلا إذا عرف علل مسائله وأدلتها بعيون العلل والأدلة. (ح ن).
[٣] قوله: «وكذا إن جعل الكلام استعارة بالكناية» بتشبيه المسائل بالخرائد مضمراً في النفس على رأي القزويني، وإثبات الوجوه بمعنى العضو تخييلاً، فإنه لا ينتظم معه المعنى أيضاً؛ لأوله إلى الأول. (ح ن).
[٤] قوله: «اللهم إلا أن يكون تجريداً» لعله لا يناسب إلا الوجه الأول، وهو أن يراد بالوجوه العلل والأدلة. (ح ن).