[ذكر سبب التأليف]
  وشهور، وتنقل من ثغور إلى ثغور - جاء بحمد الله مع الاستيعاب وحسن الاختصار غير خال عن التنقيح(١) والتوضيح، ولا قاصر عما اشتملت عليه مطولات الأسفار(٢) بما حواه من التلميح والتلويح، ولكنه دق على بعض الطلبة ما دق من معانيه، وخفي عليهم أشياء من قواعده ومبانيه، فسألوني أن أوضح لهم ما خفي عليهم من فوائده بشرح مذلل لصعابه ومقيد لأوابده(٣)، فأجبتهم إلى ذلك ثانياً لعنان العزم إلى تحليله وتقريبه وتسهيله بعبارة واضحة غير مطولة، مقتصر في الأغلب على ما يعنيه(٤) لمن تأمله، مع اشتغال بما هو أشد
(قوله): «جاء بحمد الله» جواب لما، أي: أتى ما جمعت حال كوني متلبساً بحمد الله، وقوله: «مع الاستيعاب وحسن الاختصار» حال من فاعل جاء، أي: أتى حال كونه مستوعباً وحال كونه حسن الاختصار، أي: حسناً اختصار. وقوله: «غير خال» منصوب بجاء لتضمنه معنى الصيرورة[١].
(قوله): «من قواعده ومبانيه» قواعده: مسائله، كما ذكره الشلبي في قول المطول: جامعاً لغرر أصول هذا الفن وقواعده. ومبانيه: ألفاظه المتعانقة المتشاكلة، كأنها رتق بعضها ببعض رتقاً، كما ذكره في شرح المطالع. وفي حاشية الشريف: المباني: الدلائل.
(قوله): «لأوابده»: الأوابد: الوحوش. ولا يخفى ما في ذلك من تشبيه المسائل الدقيقة الغامضة الخفية في بعدها عن الفهم والإدراك بالوحوش النافرة التي لا تدرك، فالأوابد استعارة مصرحة[٢]، والتقييد ترشيح.
(قوله): «ثانياً لعنان العزم» العنان ككتاب: سير اللجام الذي تمسك به الدابة، قال في الصحاح: ثنيت الشيء ثنياً: عطفته، وثنيته أيضاً: صرفته عن حاجته. قلت: وهو المراد هنا. وفي قوله: «لعنان العزم» استعارة بالكناية وتخييل.
(قوله): «على ما يعنيه» بالعين المهملة، أي: يعني كتابه الموصوف.
(١) هو لابن صدر الشريعة، والتوضيح شرحه.
(٢) فيه لطيفة.
(٣) أبد الشيء يأبد ويأبد أبوداً: نفر وتوحش، فهو آبد على فاعل، وأبدت الوحوش: نفرت من الإنس، فهي أوابد، ومن هنا وصف الفرس الخفيف الذي يدرك الوحش ولا يكاد تفوته بأنه قيد الأوابد؛ لأنه يمنعها المضي والخلاص من الطالب كما يمنعها القيد.
(٤) ضبطه سيلان بالعين المهملة، وفي نسخ بالغين المعجمة.
[١] قوله: «لتضمنه معنى الصيرورة» غير ظاهر في جاء؛ لأنه لم يكن ثمة انتقال من حال إلى حال، فهو بمعنى أتى، وغير خال منصوب على الحالية فتأمل، والله أعلم. (ح قال: من خط شيخنا المغربي).
[٢] قوله: «فالأوابد استعارة مصرحة» وإضافة الأوابد إلى ضميره [الضمير عائد إلى الكتاب فتأمل] على وجه لا ينبي عن التشبيه لا يخل بالاستعارة المصرحة. (ح ن).