هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[ذكر سبب التأليف]

صفحة 45 - الجزء 1

  سبحانه أداءً لبعض ما يجب، واقتفاء للكتاب المجيد، وعملاً بأحاديث الابتداء، منها: ما أخرجه الخطيب⁣(⁣١) في جامعه عن أبي جعفر معضلاً قوله ÷:


(قوله): «أداء لبعض ما يجب» يعني من شكر إنعامه الذي تأليف هذا الكتاب أثر من آثارها⁣[⁣١]، فقوله: «أداء» مفعول له⁣[⁣٢] للافتتاح. وأورد عليه أن أداء بعض ما يجب يحصل بمجرد الحمد ولو في آخر الكتاب فكيف يعلل الافتتاح به؟ على أن قوله: «الحمد لله» إخبار بثبوت الحمد لله تعالى، والإخبار عن ثبوت الحمد ليس بالحمد.

وأجاب الشلبي عن الأول بأجوبة، منها ما حاصله أنه إذا كان الغرض من الحمد في ابتداء التأليف جلب المزيد من النعم - وهو التأليف - لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}⁣[إبراهيم: ٧]، كان تقديم الحمد على المجلوب - وهو التأليف - واجباً، فعلل الافتتاح بالأداء المذكور إيماء إلى هذه النكتة⁣[⁣٣].

ومنها - وهو أظهرها - أن الاطراد والانعكاس غير لازم في العلل والمقتضيات، فتعليل الافتتاح بالأداء لا يقدح فيه حصول الأداء بغير هذه الطريقة.

وعن الثاني بأن الأخبار بثبوت جميع المحامد لله تعالى عين الحمد، كما أن قول القائل: الله واحد عين التوحيد. وبأن القول المذكور وأمثاله إخبار واقع موقع الإنشاء؛ إذ ليس المتكلم بصدد الإخبار والإعلام؛ لأن المخاطب به هو الله، ومعنى⁣[⁣٤]: الحمد لله الحمد لك، فوضع الظاهر موضع المضمر، بل مقصود⁣[⁣٥] المتكلم به إنشاء تعظيم الله تعالى بوصفه الجميل وإيجاده بهذا اللفظ، فيكون الإخبار مستعملاً في غير معناه مجازاً⁣[⁣٦].

(قوله): «معضلاً» بفتح الضاد، قيل: هو ما سقط من سنده اثنان فصاعداً، كقول مالك: قال رسول الله ÷، وقول الشافعي: قال ابن عمر، وسيأتي للمؤلف # في باب الأخبار ذكر بعض اصطلاح أهل الحديث في تراجمهم، وقد ذكر العلامة المحدث محمد بن يحيى بهران | كلاماً مختصراً في اصطلاح أهل الحديث في ذلك، حيث قال: الحديث المتواتر ما أفاد العلم الضروري بنفسه وإلا فهو آحادي ولو كثرت رواته، وهو ينقسم إلى حسن وضعيف وصحيح، فالصحيح ما اتفقت روايته بالعدول الضابطين المتفق على عدالتهم وضبطهم حتى يبلغ النبي ÷، فإن اختلف في ضبط أحدهم فهو الحسن، وإن اختلت عدالة بعضهم أو ضبطه فهو الضعيف، وهو ينقسم إلى: موضوع، وهو ما علم كذبه، ومتروك، وهو ما كان أحد رواته مجروح العدالة أو فاحش الغلط =


(١) هو أحمد بن علي بن ثابت الحافظ الكبير، توفي سنة ٤٦٣.


[١] قوله: «أثر من آثارها»: الضمير عائد إلى الإنعام، وهو مصدر فالأولى تذكيره. (ح).

[٢] قوله: «أداء مفعول له»: ظهور العلية حيث الظرف لغو، ومع جعله مستقراً بتأويل. اهـ من أنظار القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال. وفي حاشية: ومع جعله مستقراً يكون تعليلاً للقيد، وهو متلبساً. اهـ من أنظاره أيضاً. اهـ ح

[٣] قوله: «إيماء إلى هذه النكتة»: لعله يقال: هذا إذا كان وضع الديباجة قبل الكتاب، وأما إذا كان وضعها بعد فلا مناسبة لهذا الوجه. (من أنظار العلامة الجلال. ح).

[٤] في المطبوع: والمعنى. والمثبت من حاشية الشلبي.

[٥] في حاشية الشلبي: فمقصود.

[٦] قوله: «مستعملاً في غير معناه مجازاً» من باب: أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، والعلاقة فيه المشابهة. (ح قال: من خط شيخه الحسن بن إسماعيل المغربي).