[وقوع الحقيقة اللغوية والعرفية]
[وقوع الحقيقة اللغوية والعرفية]
  مسألة: اتفقوا على أن (الحقيقة اللغوية والعرفية واقعتان) سواء كانت العرفية عامة أو خاصة (والمختار وقوع الشرعية) أيضاً، وهو قول الجمهور، خلافاً للقاضي أبي بكر الباقلاني.
  واعلم أنه لا نزاع في أن الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة في غير معانيها اللغوية قد صارت حقائق فيها، إنما النزاع في أن ذلك بوضع الشارع وتعيينه إياها بحيث تدل على تلك المعاني بلا قرينة فتكون حقائق شرعية كما هو مذهبنا، أو بغلبتها في تلك المعاني(١) في لسان أهل الشرع، والشارع إنما استعملها فيها مجازاً بمعونة القرائن فتكون حقائق عرفية خاصة لا شرعية، وهو مذهب القاضي، فإذا وقعت مجردة عن القرائن في كلام أهل الكلام والفقه والأصول ومن يخاطب باصطلاحهم تحمل على المعاني الشرعية وفاقاً، وأما في كلام الشارع فتحمل عليها عندنا، وعلى معانيها اللغوية عند الباقلاني.
(قوله): «اتفقوا على أن الحقيقة اللغوية والعرفية واقعتان» وفي شرح أبي زرعة: أما العرفية فأنكرها قوم كالشرعية.
(قوله): «قد صارت حقائق فيها» ضرورة عدم احتياج فهم هذه المعاني الشرعية من هذه الألفاظ عند الإطلاق إلى قرينة في لسان أهل الشرع اتفاقاً، وهو علامة الحقيقة، وإنما النزاع في أن عدم الاحتياج إلى القرينة إما بسبب وضع الشارع إياها فتكون حقائق شرعية وهو المذهب المختار، أو لا تكون بسبب وضع الشارع بل بسبب غلبة استعمالها في تلك المعاني في لسان أهل الشرع حتى صارت حقائق عرفية خاصة لهم وإن كانت مجازات لغوية في كلام الشارع بمعونة القرائن، وهو مذهب القاضي على أحد قوليه، والقول الآخر للقاضي أنها مستعملة في حقائقها اللغوية، والزيادات شروط لوقوعها معتبرة مقبولة شرعاً، هكذا في الجواهر، وقد ذكر ذلك أيضاً غيره عن القاضي، وما ذكره المؤلف # هو كما في حاشية السعد بياناً لحاصل ما ذكره في شرح المختصر من تحرير محل النزاع في الحقيقة الشرعية.
(قوله): «وأما في كلام الشارع فتحمل ... إلخ» هذا إشارة إلى فائدة الخلاف في الحقيقة الشرعية، قال السيد المحقق: يعني أنا إذا قلنا: إن الشارع وضعها لهذه المعاني فإنا إذا وجدناها في كلامه مجردة عن القرينة حملناها على المعاني الشرعية؛ إذ الظاهر أنه يتكلم باصطلاحه، وهذه المعاني هي الحقائق بالقياس إليه.
وإن قلنا بعدم الوضع حملناها على المعاني اللغوية؛ لأنه يتكلم على قانون اللغة، وهذه الحقائق منها. وأما في استعمال المتشرعة من الفقهاء والمتكلمين فتحمل على المعاني الشرعية بلا خلاف، أما على الأول فلأن ظاهر حالهم أنهم يتكلمون باصطلاح الشارع، وأما على الثاني فلأن الظاهر أنه[١] على عرفهم، وهذه بالقياس إليهم حقائق عرفية.
(١) لكثرة دورانها على ألسنة أهل الشرع لمسيس حاجتهم إلى التعبير عنها. (عضد).
[١] أي: المتكلم.