هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما

صفحة 441 - الجزء 1

  وأن الشارع قصد إلى تعريف المكلفين إياها، ولم يكن إلا بهذه الأسماء، وهي مجردة عن لازم المجاز⁣(⁣١) الذي هو القرائن قطعاً، وإلا لنقلت مثلها⁣(⁣٢)، ولا نعني بثبوتها إلا ذلك، ولأجله تبادرت من كلام الشارع.


(قوله): «وإلا لنقلت» أي: وإن لم يثبت هذا الحصر⁣[⁣١] لنقلت - أي: القرينة - مثل نقل هذه الأسماء الشرعية، وقد يقال: قد استغني⁣[⁣٢] عن نقلها عن الشارع ابتداء بصيرورتها بعد ذلك حقائق في عرف المتشرعة كما ذلك شأن الحقائق العرفية. أو يقال أيضاً: لا نسلم عدم حصول القرينة ونقلها؛ لقوله ÷: «صلوا كما رأيتموني أصلي)).

وقد يجاب عن هذا بأن هذا من التفهيم بالقرائن والترديد كما يقال في الأطفال، وذلك غير قادح في تعليم اللغات، أو يجاب بأن قوله: «صلوا)) يراد به الأمر بما عرفوه⁣[⁣٣]، وقوله: «كما رأيتموني أصلي)) يراد به تعليم هيئات الصلاة.

(قوله): «ولا نعني بثبوتها» أي: بثبوت الحقائق الشرعية إلا ذلك، الإشارة إلى قصد تعريف الشارع إياها بمجرد هذه الأسماء، وفي العبارة تسامح؛ لأن ثبوتها ليس قصد تعريف الشارع إياها، بل معناه فهم معانيها عند الإطلاق بغير قرينة، فلو قال: ولأجله تبادرت، ولا نعني بثبوتها إلا ذلك - أي: التبادر - لكان أظهر.

(قوله): «ولأجله تبادرت» أي: لأجل ما ذكرنا من أن الشارع قصد ... إلخ لا لأجل الغلبة كما ذكره هذا المورد، وقد يقال: إفادتها لتلك المعاني بغير قرينة باعتبار وضع الشارع وتعيينه ممنوع كما ذكره صاحب الجواهر.

لا يقال: مبنى الكلام⁣[⁣٤] في هذه المسألة أن الشارع عرف هذه الحقائق بمجرد هذه الأسماء ولولا ذلك لم تكن حقائق شرعية، وقد عرفت أن تعريف اللغات حصل بالقرائن ولم يخرجها ذلك عن كونها حقائق، وسيأتي الجواب بذلك عن حجة القاضي حيث قيل: والتفهيم بالقرائن - لأنا نقول⁣[⁣٥]: لعل المراد بالقرينة التي تقدح في الحقيقة الشرعية وتخرجها عن محل النزاع هي القرينة المانعة، والمذكور في وضع اللغات هي المعينة، وهي التي أجابوا بها عن شبهة القاضي. ولو أجاب المؤلف # عن هذا الإيراد بما أجاب به عن شبهة القاضي لكان قوياً مندفعاً عنه منع صاحب الجواهر، لكن عبارته تنافي ذلك؛ لأن قوله: ولم يكن - أي: التعريف - إلا بهذه الأسماء ... إلخ نفي للقرائن المعينة الشاملة لما ذكروا في تعريف اللغات.

فائدة: اعلم أن تصحيح المذهب المختار وتقويم أدلته مع ملاحظة ما ذكروا في تحرير محل النزاع مشكل، والله أعلم.


(١) يقال: قد تكون القرائن حالية أو خفية.

(٢) لقائل أن يقول: المحوج إلى القرينة عدم فهم هذه المعاني عند إطلاقها، وذلك إنما هو عند قصد الشارع التعريف، وبعد تعريفه لا يحتاج إلى ذلك لغلبتها وصيرورتها حقائق عرفية، فلا حامل على نقل القرائن حينئذ.


[١] أي: حصر التعريف بهذه الأسماء مع التجرد، فالمعنى: وإلا يكون بهذه الأسماء مجردة بل بها مع عدم التجريد. (ح عن خط شيخه).

[٢] ولمانع أن يمنع الاستغناء عن نقل القرينة في خطاب الشارع؛ لأنا مكلفون مثلهم، نعم يحصل الاستغناء في خطاب المتشرعة، وهو غير قادح. (حبشي ح).

[٣] فقد تثبت الحقائق من غير قرينة. (ح عن خط شيخه).

[٤] المراد من قوله: مبنى ... إلخ أنه لا يجاب عما ذكره صاحب الجواهر من المنع⁣[⁣٠] بأن الشارع عرف الحقائق بمجرد هذه الأسماء والحال أنك قد عرفت أن تعريف اللغات حصل بالقرائن، وأيضاً قد حصل الاعتراف بوجود القرائن هنا في الرد على القاضي فتأمل، والله أعلم. (ح عن خط شيخه).

[٠] بل يجاب بالفرق بين القرائن، وهو إرادة سيلان بقوله: لأنا نقول ... إلخ. (ح عن خط شيخه).

[٥] لو قال القاضي: بل يقال: لعل المراد بالقرينة ... إلخ لكان أظهر. (ح عن خط شيخه).