هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما

صفحة 447 - الجزء 1

  المقبحات معه، وذلك (لقوله) تعالى ({إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ٣ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ٤}⁣[الأنفال]، دلت الآيات على أن


= الإيمان إلى القلب في مواضع من كتابه، وعطف عليه العمل الصالح في مواضع، وقرنه بالمعاصي مثل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ..} الآية [الحجرات: ٩]، مع ما فيه من قلة التغيير، وأنه الأقرب إلى الأصل، ثم اختلف في أن مجرد التصديق القلبي هل هو كاف لأنه المقصود أو لا بد من انضمام الإقرار به للمتمكن منه؟ ولعل الحق هو الثاني؛ لأنه تعالى ذم المعاند أكثر من ذم الجاهل المقصر، وللمانع أن يجعل الذم للإنكار لا لعدم الإقرار به. (من تفسير البيضاوي).

قال في التلويح: واعلم أن المنقول ... إلى أن قال: يعني ذهب بعضهم إلى أن الإقرار باللسان ليس جزءاً من الإيمان ولا شرطاً له، بل هو شرط لإجراء أحكام الدنيا حتى إن من صدق بقلبه ولم يقر بلسانه مع تمكنه من ذلك كان مؤمناً عند الله غير مؤمن في أحكام الدنيا، كما أن المنافق لما وجد منه الإقرار دون التصديق كان مؤمناً في أحكام الدنيا كافراً عند الله ... إلخ. اهـ المراد نقله.

(*) في صيانة العقائد للجلال ما نصه: قوله: «والإيمان اسم لجميع الطاعات» هذه هي الحقيقة الدينية المنقولة إلى ما يتعلق بأصول الدين، وهي أخص من الشرعية المنقولة إلى فروعه؛ لأن كل من أثبت الأولى أثبت الثانية من دون عكس، بل الظاهر أن القول بالدينية يختص بالوعيدية من المعتزلة، وقد أطلق في شرح الغاية وغيره أنه مذهب الجماهير من السلف، ونقل قول البخاري أنه قال: لم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل، مع أنه كتب عن ألف وثمانين نفساً، لكن الظاهر أن القائل من السلف: الإيمان قول وعمل لا يقولون بالنقل؛ إذ هو يستتبع عدم إطلاق لفظ الإيمان على معناه اللغوي شرعاً، ولا يقول ذلك إلا الوعيدية ليتفرع عليه عدم دخول صاحب الكبيرة في مسمى المؤمن فلا تشمله أدلة وعد المؤمن بالثواب ونحوه، لكنهم يثبتون له معنيين في الشرع عاماً هو اللغوي وخاصاً هو ما اعتبر معه الأعمال، لكن استعماله في المعنى الخاص إنما هو بالغلبة في لسان أهل الشرع لا بوضع الشارع على حد ما قرر به ابن الحاجب وغيره مذهب الباقلاني في الحقيقة الشرعية، والمؤمن عندهم باق على ما هو عليه من كونه اسم فاعل من آمن، ولا ينفون كونه مشتقاً من الإيمان، فعليك بالتثبت في هذا المقام فقد وقع فيه الخبط في البحث والمجازفة في النقل لأقوام.