فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  المؤمنين هم فاعلو الطاعات وتاركو المقبحات، ودلت بأولها وآخرها على أن هذا الوصف مقصور عليهم لا يتعدى إلى غيرهم(١)، وهو المطلوب.
  (وغيرها) كقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ٤٧}[الأحزاب]، وقوله: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ١٤٦}[النساء]، وقوله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[يونس: ٢]، «بشر بها كل مؤمن»، ولو كان الإيمان التصديق لكان الفاسق مؤمناً داخلاً في هذه البشارات فيسقط عن نفسه التحفظ عن المعاصي، والإجماع مانع من ذلك.
  وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، وذلك لأن الآية نزلت بعد تحويل القبلة دفعاً لتوهم إضاعة الصلاة(٢) التي كانت إليه.
  وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ...} إلى آخرها(٣) [النور: ٦٢].
  ولأن المؤمن لا يخزى في الآخرة؛ بدليل قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}[التحريم: ٨]، والفاسق يخزى؛ لقوله تعالى في المحاربين: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٣٣}[المائدة]، والمعذب مخزي؛ لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}[آل عمران: ١٩٢]، فثبت أن الفاسق مخزي(٤)، وكل مؤمن ليس بمخزي، وهو
(١) وهو المصدق الذي لم يفعل الطاعات.
(٢) في (أ، ب): الصلوات.
(٣) ضرب في نسخة على قوله: إلى آخرها.
(٤) قوله: «فثبت أن الفاسق مخزي» في حاشية ما حاصله: هذه صغرى، وكل مؤمن ليس بمخزي كبرى، وهذا من الضرب الأول من الشكل الثاني، وهو يرتد إلى الشكل الأول بعكس الكبرى، وهي هنا: كل مؤمن ليس بمخزي، فيقال: كل مخزي ليس بمؤمن، ينتج ما ذكره. اهـ بزيادة مفيدة.