هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[ذكر سبب التأليف]

صفحة 47 - الجزء 1

  وأخرج أبو داود والعسكري عن أبي هريرة: (كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم).

  فإن قيل: ما افتُتِح باسم الله غير مُفْتَتح بالحمد، وبالعكس، فلا يمكن العمل بأحاديث الابتداء؟

  قلنا: الافتتاح إما أمر عرفي يعتبر من حال الأخذ في التصنيف إلى الشروع في البحث، أو منقسم إلى حقيقي وإضافي، فيمكن الجمع بتقديم أحدهما⁣(⁣١) على الآخر، فيكون الأول حقيقياً والآخر إضافياً.


(قوله): «أجذم» أي: مقطوع البركة.

(قوله): «إلى الشروع في البحث» فيتسع للابتداء بأمرين أو أكثر.

(قوله): «أو منقسم إلى حقيقي وإضافي» الحقيقي قد يطلق على ما يقابل الإضافي، فيقال: الصفة إما حقيقية أو إضافية، وقد يطلق على ما يقابل المجازي. والظاهر أن الإتيان بالشيء قبل جميع ما عداه إنما سمي ابتداء حقيقياً لأنه حقيقة الابتداء؛ ولذلك يتبادر منه⁣[⁣١] عند الإطلاق، وأما الإتيان بالشيء قبل بعض ما عداه فهو معنى مجازي للابتداء؛ ولذلك يحتاج في فهمه منه إلى قرينة، فيكون ابتداء غير حقيقي، لكن المشهور تسمية الابتداء قبل بعض ما عداه إضافياً، فورد عليه أنه لا وجه لتخصيصه باسم الإضافي؛ إذ الابتداء مطلقاً من قبيل الإضافات، أي: الأمور النسبية التي لا تعقل إلا بالغير سواء كان قبل كل ما عداه أو قبل بعض ما عداه، وكان القياس أن يقال في الثاني: ابتداء غير حقيقي، أي: مجازي، وقد يتأول بأن المراد بالإضافي ما يكون بالنسبة إلى بعض ما عداه على قياس الخاصة الإضافية، كماشٍ فإنه خاصة للإنسان بالنسبة إلى النبات وإن لم يكن خاصة بالنسبة إلى الحيوان، لكن يرد أن القياس أن يكون مقابل الإضافي بهذا المعنى هو المطلق لا الحقيقي، فيقال: ابتداء مطلق وإضافي، أي: لا مطلق، كخاصة إضافية وخاصة مطلقة، والله أعلم.

(قوله): «والآخر» وهو الحمد «إضافياً» وإنما قدم التسمية اقتفاء لأثر الكتاب والسنة⁣[⁣٢] الواردين بتقديم التسمية، وأثر السلف، وقدمت أيضاً للاحتياط في العمل، قال الشلبي: لما أن⁣[⁣٣] في التسمية جهة التحميد، إلا أنهم لم يكتفوا بها؛ لأن من أتى بالتسمية لا يقال: «إنه حامد» عرفاً، ولهذا أثبتوا التعارض الظاهري بين الحديثين واحتيج إلى التوفيق بينهما.

قلت: وبما ذكره يندفع ما يقال: لا وجه لسؤال التعارض بين الحديثين؛ لأن الحمد قد حصل بالتسمية لاشتمالها على الوصف الجميل، فقد حصل الابتداء بالحمد. ووجه الدفع أن التعارض بحسب الظاهر قد وقع؛ إذ لا يقال لمن أتى بالتسمية: «إنه حامد» عرفاً، فالاحتياج إلى التوفيق بين الحديثين لحصول التعارض الظاهري وإن لم يكن حقيقياً كما أشار إليه الفاضل.


(١) وإنما قدم التسمية اقتفاء لأثر الكتاب والسنة وآثار السلف. (سمرقندي). وعبارة التلويح: فعمل بالكتاب الوارد بتقديم التسمية، والإجماع المنعقد عليه. قال العلوي في حاشيته عليه: لعل المراد بالإجماع الفعلي، فإنهم يقدمون في كتبهم التسمية على الحمد.


[١] قوله: «ولذلك يتبادر منه» أي: من لفظ الابتداء. اهـ ح

[٢] قوله: «اقتفاء لأثر الكتاب والسنة» أي: فعل النبي ÷، فإنه كان يبدأ بالتسمية ثم الحمد. (ح).

[٣] قوله: «قال الشلبي: لما أن ... إلخ» تعليل للاحتياط. (ح).